دولة الكهرباء لا دولة الرفاه

يحدثني صديقي العراقي كيف كانت زيارته الأخيرة للعراق سهلة. فقد جال في مختلف المناطق ولم يواجه المشاكل التقليدية مع نقاط التفتيش والسيطرة، وفي يوم واحد مر على 80 نقطة أكثر من 50 في المائة منها لا تعمل، بسبب أن الجنود مصابون بالملل والإحباط والإعياء.

اضافة اعلان

والتقصير بحق الناس ينسحب على التقصير بحق الله، فقد نشرت وسائل الإعلام كيف أقدم كثير من أفراد الشرطة والجيش وعامة الناس على الإفطار بسبب ارتفاع درجات الحرارة وغياب الكهرباء، وقالوا إن الحكومة تتحمل إثمهم.

دع عنك حكايا خلاف القوائم؛ عراقية وائتلاف ودولة قانون وأكراد.. الفشل من هنا. الدولة التي لا تستطيع توفير الأساسيات فاقدة الشرعية، سواء كانت محتلة أم محررة تجرى انتخابات أم لا تجرى. ولو سألت أفراد الشرطة العراقية وهم تحت القيظ؛ أيهما تفضلون حكم صدام بكهرباء أم حكم المالكي من دونها، لفضلوا الأول بلا تردد. فالدولة هي جهاز خدمة عامة في الكهرباء والصحة والتعليم وغيرها.

في غزة، يتضح أن الاحتلال ما يزال جاثما من خلال انقطاع الكهرباء، فلا يمكن أن تكون دولة فلسطينية بحماس أم بفتح وتستورد الكهرباء من المحتل!

سيقال إن البلدين تحت الاحتلال الذي جلب كل المصائب. حسنا ما بال الدول غير المحتلة التي تجمع العطب السياسي من خلال غياب الحقوق الدستورية للمواطن مع العطب الخدمي من خلال غياب أو تردي الخدمات الأساسية. حتى بات مطلب المواطن العربي دولة الكهرباء لا دولة الرفاه.

في مصر تلخيص للمشهد العربي المروع. عنونت المصري اليوم "يوميات العطش والظلام: سوق سوداء للمياه وانقطاع الكهرباء يعطل محطات الشرب"، وتحدثت الصحيفة عن تصاعد أزمة مياه الشرب في محافظتي الفيوم ودمياط، وتحدثت عن قطع أهالي قرية "السليين" بالفيوم الطريق، احتجاجاً على نقص المياه، وتجمهر أهالي عدد من القرى داخل ديوان المحافظة، فيما هدد مواطنون من دمياط بالتظاهر بالجراكن، ولجأ المسؤولون إلى حل الأزمة بإرسال سيارات المياه التي تسببت في نشوب العديد من المشاجرات بسبب تدافع الأهالي للفوز بـ"جراكن المياه"، التي ارتفع سعرها في السوق السوداء إلى 3 جنيهات.

وبعيدا عن إشاعات الفساد، تكشف السلطات المصرية عن منع مسؤولين من السفر بسبب سرقة لوحة فان غوخ! والإعلام المصري مشغول بتزوير التاريخ من خلال مسلسل "الجماعة". والمهم تأمين الكهرباء حتى يتمكن الناس من مشاهدة المسلسل!

عودة إلى العراق الذي غدا مدرسة سياسية لكثير من النخب العربية. فالمهم هو المنطقة الخضراء، بما أنها آمنة وتتوافر فيها الخدمات ليذهب الجميع إلى الجحيم.

المؤسف أن العالم العربي يتجه إلى تعميم نموذج المنطقة الخضراء التي يفتقد ساكنوها إلى أدنى درجات الحس الإنساني، بعد أن افتقدوا أدنى درجات الانتماء الوطني.