ديمقراطية "غير محجّبة"!

في حال جاءت النتائج النهائية، وفقاً لقانون الانتخاب المصري، مؤكّدة للمؤشرات الأولية الحالية، فسنكون أمام نجاح كبير لحزب الحرية والعدالة- جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات، أسوة بالعدالة والتنمية المغربي والنهضة التونسي.اضافة اعلان
المشهد المصري أفرز مؤشّراً جديداً ببروز وجه آخر للإسلاميين في اللعبة السياسية، والمتمثّل في ائتلاف النور، المكوّن من أحزاب ذات طابع سلفي، مثل النور والأصالة والبناء والتنمية. فرغم أنّ حصاده أقل من الإخوان، إلاّ أنّه تجاوز أحزاباً سياسية مصرية عريقة، وفق المؤشرات الحالية، وسيكون ضمن الائتلافات الرئيسة المشكلة للكتل النيابية.
الملمح الرئيس للانتخابات المصرية هو أنّ كل ما جرى الحديث عنه سابقاً من تراجع الإسلام السياسي غير صحيح، فالانتخابات تظهر حضوراً شبه متفرد لهذه الحركات في المشهد، وفي أغلب الحالات حصدت أقل من نصف أصوات الناخبين بقليل، بفارق كبير عن منافسيها.
الملمح الثاني أنّ السلفيين وإن كانوا قوّةً إسلامية صاعدة جديدة على اللعبة السياسية، إلاّ أنّ وزنهم في دول مثل مصر وتونس والمغرب، ما يزال دون حضور الإخوان وقوتهم في الشارع، وهي ملاحظة لها دلالات مهمة على صعيد مستقبل الديمقراطية في العالم العربي، وطبيعة دور الإسلام السياسي.
فالإخوان في مصر والأردن، والنهضة في تونس، والعدالة في المغرب هي أحزاب إسلامية يتأسس عمودها الفقري من المهنيين، مهندسين وأطباء ومعلمين وأساتذة جامعات، من أبناء الطبقة الوسطى المتدينة عموماً، وإذا كانوا يحظون بأصوات الأحياء المهمشة والفقيرة، فذلك لاعتبارات دينية وسياسية تتمثّل في أنّ هذه الأحزاب هي البديل الفاعل للأحزاب أو النخب الحاكمة الحالية، فالناس يعاقبون السلطة بهذا الاختيار.
نجاح هذه الأحزاب (الإخوان والنهضة والعدالة) على حساب أحزاب علمانية وإسلامية أخرى بمثابة مؤشر على أنّ خيارات الشعوب تتجه أكثر نحو الإسلام البراغماتي المعتدل، وإلى دور مهم وحيوي تلعبه الطبقة الوسطى المتدينة أو المحافظة في المسار الديمقراطي في اللحظة الراهنة. وهي حالة قريبة من النموذج التركي، وإن كان حزب العدالة هناك أكثر تسييساً واحترافاً وقدرات.
الدور الصاعد للطبقة الوسطى المحافظة يفترض ألا ينزع نحو التطرف الديني والسياسي، واستنساخ نماذج قسرية، مثل إيران وطالبان أفغانستان، فمزاج الطبقة الوسطى المحافظ بطبيعته أكثر اعتدالاً من غيره، ما يمنح بحد ذاته إحدى الضمانات الواقعية والموضوعية ضد انقلاب الإسلاميين على اللعبة الديمقراطية، كما يروّج خصومهم. ثمة مخاوف مثارة لدى نسبة كبيرة من الشباب فيما يتعلّق بالحريات الشخصية وبضمانة التعددية والحريات الدينية وحقوق الأقليات وما يتعلق بالمرأة، تحت وطأة الدعاية السياسية المبالغ فيها ضد الإسلاميين.
وأشعر أنّ هذه المخاوف وإن كان لها أساس موضوعي مشروع، في ظل ممارسات وخطابات دينية متطرفة تقلق الآخرين، إلاّ أنّ هنالك من الشروط والحيثيات ما يؤكد أنّ استنساخ دكتاتورية دينية وسياسية إسلامية أمرٌ غير مطروح حالياً. ولعل الضمانة الحقيقية والأساسية لذلك هي الثقافة الشعبية الجديدة التي بدأت تتكرس في العالم العربي، وهي التي "قلبت ظهر المجنّ" على الأنظمة الدكتاتورية، وجلبت الحرية والديمقراطية إلى ديارنا، فهي لن تقبل أن تتنازل عن ذلك لا لإسلاميين ولا لغيرهم.
الثورة الديمقراطية العربية ليست أيديولوجية، كالثورة الإيرانية، ولا انقلاباً عسكرياً، فهي حالة شعبية جديدة ستحمي الديمقراطية ومخرجاتها "حكم الأغلبية"، لكن في الوقت نفسه ستضمن قواعد الديمقراطية وشروطها من احترام التعددية وحقوق الأقلية والحريات الفردية والخاصة، وهو ما يفرض على الحركات الإسلامية الالتزام بتطوير خطابها السياسي وبقواعد اللعبة وبقيمة الحرية، وبنتائج صندوق الاقتراع الذي قد يهب لغيرهم غداً ما منحهم إياه اليوم.