ذوو إعاقة يعانون من تجاهل صداقاتهم واستثنائهم من النشاطات

ربى الرياحي

عمان - الصداقة واحدة من المشكلات التي تواجه ذوي الإعاقة مع شعورهم بالرفض ممن حولهم، وكأنهم أشخاص لا يحق لهم التقرب من أحد أو حتى التفكير بإقامة علاقات جادة مع محيطهم الذي ما يزال متمسكا ببعض المعتقدات المقتصرة فقط على أن حياة ذوي الإعاقة صعبة، وبالتالي يترتب على تلك الفكرة أعباء إضافية يصعب التعايش معها، أو أنهم ليسوا ملزمين بتحملها ومن الأفضل لهم الابتعاد.

اضافة اعلان

تقول الطالبة الجامعية سحر علي إن الشعور بالتجاهل، وتهرب البعض من مصادقتها كونها كفيفة، جعلها تختار الانسحاب والوقوف جانبا بعيدا عن أولئك الذين يعتقدون أن فقدانها للبصر يعني أنها غير قادرة على مجاراتهم في الأحاديث وإطلاق التعليقات على مواقف تعجز هي عن رؤيتها. 

وتكمل أن طبيعة الظروف التي يعيشها الشخص من ذوي الإعاقة وإحساسه بأنه يفتقد لشيء ما، كل ذلك يحول بينه وبين تكوينه للصداقات السوية. تقيده حتى أنه قد يلوم نفسه متذمرا من وضعه الخاص الذي يعتبره سببا رئيسيا في عزله عن النشاطات الاجتماعية.

وتبين أن استخفاف البعض بمشاعرها ومعاملتها على أنها كائن غريب عنهم، يؤلمها كثيرا، ويفقدها الرغبة في التواصل معهم كما أنها في بعض الأحيان تقرر مقاطعتهم. وتقول مواقف كثيرة تلك التي دفعتها إلى الابتعاد عن أشخاص قساة، يجهلون تماما خطورة تصرفاتهم، وتذكر من ذلك عبارة قاسية وجهت لها ماتزال عالقة في ذاكرتها حتى "وجودك في الحفلة سيسبب للجميع الإحراج"، قالتها لها واحدة كانت تعتبرها صديقة لها، معللة اعتراضها هذا بأن ذهابها معهن إلى حفلة عيد الميلاد ليس مهما لكونها لن تستطع رؤية ما يحدث حولها، غير أن ذلك سيحملهن مسؤولية الاهتمام بها والبقاء بقربها الأمر الذي سيشعرهن بأنهن مقيدات.

وتتابع كثيرون ممن حولنا لديهم تصور خاطئ عن الإعاقة يرفضون تغييره أو السماح للأشخاص لهم بتقديم أنفسهم، لتقريب المسافة بين الطرفين وتقليص تلك الفجوة التي أوجدتها المعتقدات الخاطئة المترسخة في عقول تؤمن بأن الفاقد لبصره شخص فاقد لكل شيء مجردا من الإحساس يحتاج فقط لمعاملة خاصة. 

أما ياسر عبد الحق والذي يستنكر على البعض تخوفهم من مصادقة أشخاص فقط لمجرد أنهم من ذوي الإعاقة، فيقول "جميعنا بدون استثناء بحاجة إلى قلوب تحيطنا بمحبتها وصدق مشاعرها واهتمامها لنستطيع أن نواصل حياتنا بشكل طبيعي"، وهذا أيضا ينطبق على الأشخاص من ذوي الإعاقة الذين يرفضون أن يبنوا صداقاتهم على أساس العطف الزائد والنظر إليهم بعين المشفق أو حتى المشكك بقدراتهم.

ويضيف "نحن فقط نريد أن نعامل بمساواة كغيرنا لأن ذلك يمنحنا حتما إحساسا آخر بالسعادة.. ويمكننا من أن نكون أكثر انفتاحا على من حولنا"، متابعا صعوبة تكوين الصداقات يكمن في أن ما يزال هناك أناس يربطون الإعاقة بالمساعدة بدون أن يعطوا لأنفسهم فرصة للتفكير بالجوانب الأخرى لشكل العلاقة والنقاط المضيئة فيها.

ويقول جلوسي وهو على كرسيه المتحرك أنه قلص نوعا ما المشاركة في الأنشطة الترفيهية والسهرات شبه اليومية، وأعطى للبعض حجة قوية تبرر تهربهم من اصطحابه إلى الأماكن العامة والرحلات، مبينا كثيرا ما كانوا يخفون عنه تخطيطهم لتلك النشاطات، الأمر الذي دفعه إلى أن يعزل نفسه عن محيطه تماما. 

وترى الثلاثينية دعاء جابر أن الصداقة أمر ضروري ومهم نبحث عنه جميعا، لكن في المجتمع أشخاص يفضلون أن ينغلقوا على نفسهم من خلال حكمهم المسبق على من يرونه مختلفا عنهم أيا كان نوع الاختلاف، ولهذا السبب نواجه نحن ذوي الإعاقة مشكلات كثيرة ولا سيما في خلق صداقات حقيقية، والسبب في ذلك يرجع إلى قلة وعيهم وجهلهم بعالم ذوي الإعاقة. 

وتقول تمسك المجتمع بفكرة أن الشخص من ذوي الإعاقة تؤذيه أقل كلمة يجعل حتما أغلبية الناس يتجنبون حتى التحدث معه، ويهابون مخالطته، وبالتالي يقررون إقصاءه عن حياتهم. وتبين أنها أيضا واجهة بعض المشكلات في البداية لكنها استطاعت أن تفرض شخصيتها على من حولها مع الحرص على انتقاء أشخاص يتشابهون معها بالأفكار وبرؤيتها العامة عن الحياة.

 وتؤكد اليوم أنه تعتبر نفسها صديقة مميزة تجيد الاستماع لكل من تربطها بهم علاقة سوية لا تشعر أبدا بأن فقدانها للبصر يمنعها من أن تكون قريبة ممن تحبهم، ويحبونها يمنحونها الأمان والثقة ويؤمنون بها كإنسان لديها كل الإمكانات لتنجح وتتميز. 

يقول الاستشاري الأسري والنفسي د. أحمد سريوي أن طبيعة الإنسان انه يرى الكمال في نفسه، والنقص في الآخرين، إذ يقسم الناس لطبقات بناء على عدة اعتبارات كالمال والجاه والنسب ومن ضمن تلك التقسيمات هي الصحة البدنية وأيضا النفسية. 

بالتالي يكون الحكم على ذوي الإعاقة بأنهم لا يستطيعون القيام ببعض الأفعال التي يقوم بها الآخرون، مما يجعلهم في كثير من الأحيان لا يستطيعون الحصول على الصداقة التي يريدونها، وكذلك الآخرون يحاولون تجنبهم حتى لا يجرحوا مشاعرهم أو لأنهم سيعطلونهم عن تحقيق أهدافهم سواء كانت في الطفولة والمراهقة (أهداف ترفيهية كالألعاب) أو في مرحلة الشباب (النشاطات الشبابية المتعددة).

ولكن على الصعيد الأخر، وفق السريوي، فإن هناك من يتعامل مع ذوي الإعاقة كالأصحاء لا يفرق بينهم بشيء، مضيفا "ينبغي أن لا ننسى جميعا أن الصحة التي انعم الله بها علينا مؤقتة قد تزول في أية لحظة ولأي سبب".

استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان يبين أن ذوي الإعاقة في المجتمع لهم حقوق مساوية لحقوق الآخرين، بل أن لها في بعض الأحيان امتيازات ايجابية عن الآخرين بالنظر إلى طبيعة أوضاعهم ومع ذلك لديهم قدرة عالية على التفاعل، وبما يمكنهم من تجاوز ما يعترضهم من عوائق أو إشكاليات في اندماجهم بالمجتمع ومن هؤلاء فئة المكفوفين. إذ ينبغي الاهتمام بهم والحفاظ على حقوقهم وإتاحة المجال لهم في العمل بما يناسبهم.

ويذهب سرحان ان الظلم لهذه الفئة يحيطهم، فهم لم يأخذوا حقوقهم الكاملة في كثير من المجالات وخصوصا في الممارسة العملية، وليس في الإطار القانوني فقطـ، فضلا عن تعرضهم لعمليات الاحتيال والخداع والنصب من ضعيفي الضمير مما يزيد من معاناتهم ويضاعف الأعباء الملقاة على عاتقهم وهذا يتطلب ابتداء شعور الجميع بالمسؤولية تجاه هذه الفئة وعدم إبقائها فريسة لهؤلاء الأشخاص.