ذوو إعاقة يعيشون قسوة العزلة في زمن "كورونا"

Untitled-1
Untitled-1
ربى الرياحي عمان - مع صعوبة الوضع الراهن، وتزايد أعداد الإصابات جراء تفشي فيروس "كورونا"، تعيش بعض الأسر ظروفا استثنائية تضاعف من حجم الأعباء الملقاة على عاتقها، وذلك بسبب وجود ابن أو أكثر من ذوي الإعاقة، وتحديدا أولئك الذين يعانون من التوحد أو متلازمة داون أو ذوي الإعاقات الذهنية. هؤلاء اليوم وبالذات وبعد الوضع المقلق الذي فرضته جائحة كورونا على الجميع يختبرون نوعا جديدا من العزلة، تقيد حركتهم إلى حد كبير وتبعدهم عن أقرانهم رغم احتياجهم الشديد لأن يخرجوا ويختلطوا بغيرهم ويرفهوا عن أنفسهم. إغلاق المراكز الخاصة بهم وإبقاؤهم خلف تلك الجدران الصماء وافتقادهم للحياة الاجتماعية ولتلك الأنشطة المسلية التي تجنبهم الملل والوحدة، هي أمور أوجدتها الجائحة قسرا، وبات على الأهل أن يتحملوا مسؤولية هؤلاء الأطفال بمفردهم ومن دون مساعدة من أحد وأن يبحثوا عن حلول مجدية تخفف عنهم قسوة المحنة، وخاصة أنه لا أحد يعلم متى ستنتهي وتعود الحياة كما كانت. يعيش الطفل محمد الذي يعاني من التوحد نوعا جديدا من العزلة نتيجة انتشار فيروس "كورونا" واستمرار الإغلاقات التي جاءت بهدف حماية الجميع. حرمانه من الخروج والالتقاء بأقرانه اليوم في المركز يجعله أكثر عدوانية وعصبية ويزيد من إحساسه بالضيق، كما أنه يفقده الفرصة الوحيدة لأن يكون متفاعلا مع مجتمعه ولديه مساحة كافية لتفريغ طاقته والتعبير عن نفسه من خلال البرامج التعليمية والترفيهية التي تقدم له من قبل أشخاص متخصصين لديهم المعرفة والدراية للتعامل معه بطريقة مناسبة تشعره بالراحة والاحتواء وتسمح له بأن ينسجم أكثر مع محيطه ويكون نافعا لنفسه يعتمد على ما لديه من إمكانات ومهارات يمكن تنميتها وتوجيهها. أما أم كريم فهي الأخرى تواجه مشكلة كبيرة لكونها تجد صعوبة في التواصل مع ابنها المريض بمتلازمة داون؛ إذ إن إغلاق المراكز والنوادي والمسابح في زمن "كورونا" حمل بعض الأهالي، وتحديدا الذين لديهم أطفال من ذوي الإعاقة، أعباء إضافية ضاعفت من متاعبهم وقلقهم وتركتهم في مهب الريح يحاربون على أكثر من جبهة. وتبين أن شعور ابنها بالملل وبأنه حبيس المنزل ليس هناك ما يفعله يجعله يتصرف بطريقة غير مفهومة تزيد من حيرتها وتعبها، وفي كثير من الأحيان قد تفقد السيطرة عليه بسبب حركته المفرطة ونوبات الغضب التي تنتابه. وترى المتخصصة والمدربة في مجال صعوبات التعلم ديما الرجبي، أن جائحة "كورونا" فرضت بطبيعة الحال تغيرات وتحديات على جميع الشرائح ولم تستثن أحدا، لذلك نحاول دائما التركيز على الفئات الأكثر تضررا وهشاشة بالتعاطي مع واقع الأزمات ومنهم أطفال صعوبات التعلم وأصحاب الهمم وأطفال التوحد؛ حيث تفرض ظروفهم الخاصة إعادة هيكلة روتين ونمط حياتهم ضمن إمكانياتهم والأدوات المتاحة بين أيدي الآباء في ظل إغلاق المراكز المعنية والمدارس. وتلفت الرجبي إلى أنه لا توجد حلول سحرية يمكن تعميمها على جميع الأسر الحاضنة لتلك الفئات؛ حيث إن الفروقات المادية والنفسية والجسدية متفاوتة بينهم، لذلك "نعول دائما على الاحتفاظ بما أمكن من روتينهم السابق أثناء تواجدهم داخل المراكز والمدارس وإعادة بناء المسرح الذهني ونقله إلى البيوت حتى لا يحدث فجوة في مهارات التواصل المكتسبة سابقا لديهم". يميل أطفال التوحد إلى التمسك بالأنشطة المعتادة وتكرارها، وقد يكون هذا الأمر مدخلا مهما لإعادة السيطرة على اختلاف الروتين عليهم، مع علمنا المسبق بمدى صعوبة الأمر للأمهات خاصة العاملات منهن، لذلك طلب المساعدة من الأقارب والأصدقاء وأفراد الأسرة ضروري لتخطي هذه الفترة من الحظر واختلاف معايير الحياة الطبيعية. ووفق الرجبي، هنالك مفاتيح عديدة للبدء بتخطي هذه المشكلة، منها، كما ذكرت؛ نقل مشهد المدرسة أو المركز إلى المنزل وممارسة الأنشطة ذاتها التي كان الطفل يمارسها سابقا والتركيز على الحديث معه ومنحه معلومات عن سبب ابتعادهم عن مدرسته، وذلك بتكرار الحديث بطريقة لفظية وعملية عن طريق الرسم أو اللعب، وإيضاح فكرة الفيروس ومدى خطورته على صحتهم ومشاهدة أفلام كرتونية توعوية توضح الصورة لهم؛ حيث إن أطفال التوحد يميلون إلى الحركة والتحرر من القيود. لذلك يجب أن نجد ما يكافئ هذه المساحة المسلوبة، والإخوة هم الأقدر على ملء هذا الفراغ والأهم التركيز على بناء الروتين من خلال وضع جدول مهام متكرر لهم والاعتماد على الأدوات السمعية البصرية المتوفرة عبر الإنترنت لإحاطته بصورة الحدث لفهم ما يرى بطريقة آمنة. وعلى الأهالي التحلي بالصبر والهدوء بالتعاطي مع تقلباتهم المزاجية وتكثيف دور التواصل لتفادي نوبات الغضب أو الاكتئاب أو العزلة المرضية. الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، يبين أنه ومع انتشار وباء "كورونا" اتخذت الدول مجموعة من الإجراءات بهدف الوقاية والحد من انتشار هذا الوباء. ومن هذه الإجراءات؛ فرض الإغلاقات والحظر الشامل أو الجزئي، ومنع التنقل، ووقف التعلم الوجاهي واعتماد التعلم عن بعد. وقد تأثرت بهذه الإجراءات الغالبية العظمى من الأشخاص في مختلف أنحاء العالم. كما أثرت الجائحة على القطاعات الصحية والاقتصادية والسياحية وغيرها من القطاعات، إضافة الى تأثيرها الكبير على العلاقات الاجتماعية؛ حيث إن الالتزام بنصيحة المتخصصين بالتباعد الجسدي والابتعاد عن التجمعات أدى الى التواصل عن بعد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، وهو وإن كان إجراء وقائيا، إلا أن له آثاره الاجتماعية على الجميع وإن كان بنسب متفاوتة. فئة ذوي الإعاقة لها متطلباتها الخاصة في الظروف العادية، وهي متطلبات متعددة وتختلف من حالة الى أخرى ومن شخص الى آخر، وذلك بالنظر الى عدم توفر احتياجات ذوي الإعاقة في جميع الدول أو المناطق، وإن توفرت فهي متفاوتة من حيث المستوى وإمكانية الحصول عليها بالنظر الى التكلفة المادية، مقارنة مع إمكانيات هذه الفئة وأسرها، وتوفير الخدمات الجيدة يكون بتكاليف مرتفعة. فالتعليم الأساسي المجاني هو حق للجميع، إلا أنه غير متاح لكثير من ذوي الإعاقة في مختلف مناطق العالم، وعلى الأهل دفع مبالغ كبيرة في سبيل تأمين التعليم، عدا عن الرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية التي تتطلبها بعض أنواع الإعاقة. وفي ظروف الحظر، تزداد معاناة هذه الفئات وتزداد معاناة الأهل معها، بل والأسرة أيضا، فذوو الإعاقة، كما الآخرون، مع الالتزام بالحظر يبقون في المنازل، وكثير منها صغيرة ولا تتوفر فيها سبل الراحة لهؤلاء، ما يضطرهم للبقاء داخل غرفهم بين أربعة جدران. وفي ذلك، وفق سرحان، معاناة نفسية كبيرة إضافة الى المعاناة الصحية، ومع تزايد أيام الحظر تزداد أكثر، ومما زاد من الصعوبات التي تواجه ذوي الإعاقة، إغلاق كثير من المراكز الخاصة بهم، ضمن إجراءات الوقاية التي اعتمدت. وقد كانت هذه المراكز، على قلة عددها ومحدودية إمكانياتها، توفر نوعا من الخدمات والرعاية والبيئة التي تسمح لهؤلاء بالالتقاء مع بعضهم بعضا والخروج من المنزل. صحيح أن هذه الفئة من المجتمع بحاجة الى حمايتها من خطر انتقال الوباء اليها حتى لا تزداد معاناتها وتتعرض حياتها للخطر بالنظر الى وجود إعاقة لديها سواء أكانت جسدية أو صحية أو نفسية أو مرض التوحد، إلا أنه يجب عدم إغفال حاجاتها الأخرى، وفي مقدمتها الحاجة النفسية وحاجتها الى الترفيه، ما يتطلب تأمين سبل الوقاية في المراكز كخيار مفضل لروادها. وبحسب سرحان، فإنه ينبغي في ظروف الحظر، العمل على تسهيل وإدامة التواصل بين رواد المركز من خلال وسائل التواصل بالصوت والصورة، واستمرار تقديم البرامج المناسبة لكل فئة سواء التعليمية أو الترفيهية، وبما يناسب القدرات والاحتياجات. ولعل مسؤولية الأهل تتضاعف في هذه الظروف، وهي مسؤولية ليست بالسهلة ولا تتوقف فقط على رغبة الأهل واستعدادهم، بل على مدى تأهيلهم وتدريبهم للقيام على تأمين الاحتياجات المتعددة للابن من ذوي الإعاقة، وهو تحد كبير يفوق قدرات الغالبية العظمى للأسر. ولأن التعامل الصحيح مع الشخص صاحب الإعاقة يحتاج الى تخصص وتدريب مسبق ومهارات، وليس فقط على عاطفة الأمومة أو الأبوة أو علاقات الأخوة. ومن أصعب الأمور على الأسرة أن تجد نفسها غير قادرة على توفير الرعاية اللازمة لهؤلاء الأبناء على اختلاف مراحلهم العمرية، ما يؤثر سلبا على نفسية أفراد الأسرة جميعا، خصوصا أن معظم الأسر قد تضاعفت أعباؤها ومسؤوليتها بسبب جائحة كورونا. فالتعلم عن بعد استنزف الكثير من طاقات الأسرة ووقتها، وتزامن ذلك مع تراجع مستوى الدخل لدى غالبية الأسر. قضية ذوي الإعاقة ومع استمرار انتشار وباء "كورونا" وتزايد أعداد المصابين وتزايد أعداد الوفيات وتوقع استمرار انتشار الوباء لفترة طويلة، تجعل من واجب الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بذوي الإعاقة، إيجاد برامج عملية لهذه الفئة تضمن حصولها على حقها في التعليم والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية، وأن تقدم الدعم اللازم للدول لتمكينها من تطبيق هذه البرامج، إضافة لتوفير التدريب للأسر وتبادل الخبرات التي تمكن أسر ذوي الإعاقة من القيام على رعايتهم بالحد المناسب. ويذهب سرحان إلى أن هذا الموضوع يجب أن يحظى باهتمام الجهات المحلية الرسمية منها والأهلية، وأن لا تبقى قضية خاصة بذوي الإعاقة وأسرهم، مع الحرص على عدم انتقال الوباء لهم، وفي حال الإصابة -لا قدر الله- ضمان الحق في العلاج، وعدم إغفال الجانب النفسي، وهو عامل مهم في تقوية المناعة ليس للشحص المصاب نفسه بل لأسرته أيضا.اضافة اعلان