رؤساء على موائد الطعام

نمتلك نحن في الأردن عادة قد نكون نتفرد بها عن كل شعوب العالم، فبعض رؤساء الحكومات السابقين نراهم غالبا في الجاهات والعطوات، وكذلك في حفلات الغداء التي تقام على شرف أحدهم.اضافة اعلان
القصة ليست في حفلات الغداء او العشاء، وحاليا موائد الإفطار التي تقام على شرف أصحاب الدولة والمعالي والسعادة، وإنما فيما يجري في تلك الحفلات. وسؤالنا، عن حجم الفائدة التي تعود علينا نحن الشعب الأردني من تلك الولائم، وإنْ كان ما يجري فيها يعود إيجابا علينا وعلى ظروفنا كدولة، وحجم ما يجري فيها من مشاورات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ترى هل تخرج من تلك الحفلات مقترحات وازنة تعود إيجابا على الدولة بشكل عام، وحلول للعقد المستعصية التي تواجهنا، سواء داخليا أو خارجيا. هل تتحول الحفلات والدعوات مكانا لتبادل الأفكار والاستماع لوجهات النظر، ومن ثم الخروج برؤى معمقة ذات صلة بما نمر به؟!!، أم أن تلك الحفلات تنتهي كما تبدأ، بدون أن تخرج من بين ثناياها مقترحات مفيدة، وبدون أن يتم فيها تقديم وجهات نظر حول ما يجري في المنطقة محليا وخارجيا؟!!.
دعوني أخبركم أن تلك الحفلات تنتهي كما تبدأ، يدخل المدعوون، يستقبلهم صاحب الدعوة وعدد من أصدقائه أو أقاربه، وما هي إلا دقائق حتى يجري دعوة الجميع لتناول طعام الإفطار او العشاء او الغداء خارج أيام رمضان، ومن ثم يجري تناول الحلوى، وبعد ذلك يذهب كل الى حيه، باستثناء بعض الدعوات التي يتم فيها تبادل حديث هامس بين ضيوف، بعضهم يطمئن على صحة صاحب له لم يره منذ زمن، وقيض له أن يراه، وبعضهم يتحدث في شجون وهموم الساعة، ولكن بصوت خافت غير مسموع للآخرين.
خلال الجلوس على طاولات الطعام لا بأس من تسريب معلومة خاصة، لا تعني الوطن بشكل عام، وإنما تخص الشخص الذي سرب المعلومة، ولا بأس من تسريب توقعات مقبلة قد لا تأتي إلا بعد سنوات.
يخرج المدعوون من مضارب مضيفهم، يهمسون، يضربون أخماسا بأسداس عن سبب الدعوة، وماذا يريد صاحب الضيافة من وراء دعوته تلك؟ ولماذا كانت الدعوة على شرف رئيس الوزراء هذا؟ ولم تكن على شرف رئيس الوزراء ذاك؟
هنا تبدأ التوقعات، بعضهم يعتقد أن تغييرا حكوميا يلوح في الأفق، وأن الرئيس السابق الذي جرت الدعوة على شرفه قريب من العودة للأضواء، وبالتالي لا بأس من تصيد مناسبة خاصة لذاك الرئيس السابق للتقرب منه، لعل وعسى أن يتم ذكر صاحب الدعوة عندما تلوح في الأفق مجالات التغيير. 
البعض الآخر يذهب لتوقعات أوسع من تلك، فيذهبون للاعتقاد أن الدعوة مخطط لها، ومطلوبة، وأن الضيف، يجري تلميعه إعلاميا ومجتمعيا، وإعادة الاعتبار له.
بطبيعة الحال، تكبر التوقعات وتصغر، ولكن يبقى الحال هو الحال، فيصبح التسابق على دعوة شخص معين وكسب رضاه ديدن بعض الشخصيات العامة التي تعتقد أن ما يجري "مبرمج"، وبالتالي لا بد من الفوز بدعوة الشخص نفسه على موائد الطعام مرات ومرات.
وحتى لا نظلم جميع رجال دولتنا السابقين، فلا بد من التأشير أنه لطالما رأينا رؤساء حكومات سابقين على منابر الخطابة يتحدثون عما يجري حولنا، يطمئنون الأردنيين، ويقدمون مقترحات وحلولا لكل مشاكلنا المستعصية، ويقومون بواجبات سياسية من واجبهم القيام بها.
ليس المطلوب من وراء ذاك الكلام منع إقامة تلك الحفلات أو الاقتصاد في دعوات الإفطار، بقدر التذكير بأهمية أن ينشغل رجال الدولة والوزراء السابقون والنواب والأعيان؛ سواء أكانوا سابقين أو حاليين بأمور أخرى غير حفلات الأكل والشرب فقط، والذهاب لما ينفع الوطن والمواطن من خلال تقديم رؤى وحلول.