ربيع عربي جديد؟

ترجمة: علاء الدين أبو زينة جون ب. أولترمان* - (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) 15/4/2019 ثمة الكثير من أوجه التشابه بين الأحداث الأخيرة وسابقتها في العام 2011. في كل من الجزائر والسودان، نهض المواطنون الشباب ضد الزعيم الأوحد الذي عرفوه طوال حياتهم، مدفوعين بالغضب من الفساد والمحسوبية اللذين يسرقان منهم مستقبلهم. وقد تضخمت الاحتجاجات أسبوعاً بعد آخر حتى لم يعد يمكن احتواؤها. ولم تكن الاحتجاجات في الجزائر والسودان، حالها حال الاحتجاجات التي سبقتها في العام 2011، من عمل سياسيين معارضين، لأن طول عمر بقاء الحكام في السلطة كان يضمن -في جزء منه- عدم ظهور بديل. وبدلاً من ذلك، شكلت الاحتجاجات تصويتاً عفوياً وبلا قيادة إلى حد كبير بـ"لا" على الوضع الراهن. وكان المواطنون يقومون بقفزة إلى المجهول. لكن أوجه التباين مع احتجاجات 2011 تبقى أكبر من التشابهات. أولاً، في حين أن تطلعات المحتجين قد تكون نفسها، فإن توقعاتهم أصبحت أقل. من الصعب الآن استدعاء الثقة المحتدمة في ذلك الحين: الديمقراطية في المتناول، ويستطيع المواطنون المتجردون من الأنانية، مسترشدين باستطلاعات فيسبوك والمشاعر الوطنية، أن يعيدوا تشكيل السياسة في بلدانهم. ولكن، في السنوات التي تلت، أظهرت خبرة المصريين المريرة مع حكم الإخوان المسلمين وعودة صعود المجموعات الجهادية في كل أنحاء المنطقة مدى عوز التقدم الديمقراطي لليقين. وبالنظر إلى ثماني سنوات إلى الوراء، فإننا نرى الآن أن احتجاجات العام 2011 استطاعت أن تنجب ديمقراطية واحدة ما تزال تكافح في تونس، بينما أشعلت فتيل حروب أهلية ما تزال مستعرة في ليبيا وسورية واليمن. وما كان ذات مرة حماساً كبيراً للتغيير في مصر والبحرين ذوى كله، وعادت الأجهزة الأمنية هناك إلى الواجهة بقوة. ولم يصنع سقوط الرجال الأقوياء في الجزائر والسودان نفس النشوة التي صنعتها احتجاجات الربيع العربي، لأن الحشود في الشارع أصبحت تدرك مدى صعوبة العمل الذي ما يزال أمامها. ثانياً، أكد الجيشان، الجزائري والسوداني، سيطرتهما الصارمة على الوضع في كل من البلدين. وتبدو الظروف أكثر شبهاً بانقلابات عسكرية منها بثورة شعبية. وقد تدخل الجيشان قبل أن تظهر الفوضى في الشوارع، ويفترض أنهما مستعدان لمنع الفوضى من الظهور. ثالثاً، الحماس الإقليمي الذي ميز أحداث العام 2011 غائب. وأحد أسباب ذلك هو أن قناة "الجزيرة"، التي لعبت الدور المهم المتمثل في تأطير انتفاضات العام 2011 وعرضها كسلسلة من الثورات الديمقراطية التي تُسقط الطغاة، لا تفعل الشيء نفسه مع أحداث هذا الشهر. ويعود هذا في جزء منه إلى أن الجزيرة أصبحت أقل نضارة وجرأة مما كانت عليه ذات مرة. ولكن، يبدو الجماهير أصبحت أكثر تشككاً أيضاً إزاء خط القناة التحريري في كثير من الأحيان. وربما يكون السبب الأكبر هو أن القناة نفسها تعاني من انخفاض القدرة على حشد تضامن إقليمي، بينما يقوم انتشار وسائل الإعلام الاجتماعية -الذي كان ما يزال في مراحله الأولى في العام 2011- بتقسيم الجماهير في داخل وبين البلدان ويخلق خدَراً معيناً تجاه القضايا التي لا تؤثر مباشرة على الحيوات اليومية للناس. هذه الفروقات الثلاثة -التوقعات الأكثر تواضعاً، والسيطرة العسكرية، وغياب الحماس الإقليمي- قلصت كحلها من حجم الاهتمام الدولي بهذه الأحداث الأخيرة. كان العالم كله يراقب في العام 2011، وهُرع الرؤساء ورؤساء الوزراء إلى تبني المحتجين ومنحوهم الشرعية. وسمَّت مجلة "تايم" المحتجين "شخصية العام". كان ذلك زمناً مختلفاً. أما اليوم، فإن السؤال الذي يدور في أذهان صانعي السياسة لا يدور حول كيفية مساعدة المحتجين على كسب السيطرة، وإنما يتعلق بكيفية المساعدة في ضمان أن لا تنحدر بلدانهم إلى دوامة الفوضى. حتى مع ذلك، سوف يكون من الخطأ افتراض أن سقوط بوتفليقة والبشير مجرد حادثتين منعزلتين. لقد استغل المحتجون الجزائريون والسودانيون الظروف التي ما تزال تسود في كل أنحاء العالم العربي، والتي لم تتحسن في معظم الحالات منذ أحداث العام 2011. ما يزال الفساد من كل نوع متفشياً، والظروف الاقتصادية تصبح أكثر سوءاً، وينظر الشباب بمزيج من الغضب والحسد إلى المسؤولين الحكوميين. وتستمر قطاعات عريضة من الجمهور برؤية الطبقة السياسية على أنها غير خاضعة للمساءلة وغير مبالية إزاء مصائر مواطنيها على حد سواء. لقد ولت ما بدت حلول المحتجين السريعة من الإسلام السياسي أو الديمقراطية الافتراضية التي ألهمت الكثير جداً من التفاؤل في العام 2011. ومع ذلك، لا تكاد صعوبة إفصاح المحتجين عن طريق واضح إلى الأمام تفعل شيئاً لتخفيف حدة الغضب ونفاد الصبر اللذين تشعر بهما مئات الملايين من العرب. الآن، تقف الحكومات يقِظة وفي حالة تأهب لمواجهة التحدي. وهي تسعى إلى تبسيط الحوكمة، وتستجيب بسرعة للشكاوى، وترفع من منسوب الشفافية. وتسعى الكثير منها بشكل محموم إلى خلق الوظائف في القطاع الخاص، وإبعاد الشباب عن الشوارع من دون التورط في التزام بعمر 30 عاماً من دفع الرواتب الحكومية. ومع ذلك، فإن ما تحاول هذه الحكومات فعله هو خلق تغيير جلي في مواجهة التحديات اليومية. وهي مهمة صعبة. فالتنافسية المتصاعدة عادة ما تتطلب أجوراً أقل وأيام عمل أطول، وضرائب أعلى ومعونات أقل. وكل هذه التدابير تسبب الألم في المدى القصير، ويقع عبء الكثير من هذه التدابير على كاهل الناس الأكثر ضعفاً وهشاشة. من غير المرجح أن تكون أحداث السودان والجزائر مقدمة لجموعة جديدة من الانتفاضات العربية التي تجتاح المنطقة. فالظروف لا تبدو ناضجة. لكنها تذكر في الوقت نفسه بأن جذور الانتفاضات المستقبلية قد زُرعت في كامل المنطقة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي. وحتى لو أنها تقبع كامنة في التراب، فإنها يمكن -مع مطر ربيعي مستمر- أن تنبت ويستوي عودها سريعاً. *نائب الرئيس الأول، أستاذ كرسي زبغنيو بريجنسكي في الأمن العالمي والجغرافيا السياسية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية. *نشر هذا المقال تحت عنوان: A New Arab Spring?اضافة اعلان