ردود الفعل الروسية على اغتيال سليماني

آنا بورشفسكايا* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 7/1/2020

خلال الأيام التي أعقبت اغتيال قاسم سليماني، أعرب المسؤولون في موسكو عن أسفهم لخسارته ونددوا بالعملية الأميركية معتبرين إياها خطوة "متهورة" ستزعزع استقرار المنطقة. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الضربة الأميركية بأنها انتهاك فاضح للمعايير الدولية، تماماً كنظيره الإيراني محمد جواد ظريف. أما السيناتور أليكسي بوشكوف، فغرّد قائلاً إن اغتيال سليماني كان محاولة من أميركا للحفاظ على قبضتها على العراق بعد "خسارة" سورية؛ مشدداً على أن الولايات المتحدة أصبحت أقرب الآن إلى خوض حرب مع إيران أكثر من أي وقت مضى خلال الأربعين عاماً الماضية.
ولم يتحدث الرئيس فلاديمير بوتين عن الأزمة علناً بعد، لكن بياناً صدر عن الكرملين أشار إلى أنه تحدث عبر الهاتف مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب الضربة الأميركية. ووفقاً للبيان، كان ماكرون هو الذي بادر بالاتصال وأعرب الرئيسان عن "مخاوف" حيال الحادثة. كما دعا بوتين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لزيارة موسكو لإجراء نقاشات حول إيران. وفي غضون ذلك، قام برحلة مفاجئة إلى دمشق في الثامن كانون الثاني (يناير) -والتي قيل إنها تهدف إلى تسليط الضوء على "إعادة هيبة الدولة السورية وضمان سلامة أراضيها"، لكن سبب هذه الرحلة، على الأرجح، هو المخاوف من تداعيات اغتيال سليماني.
خلال تطبيق أجندة السياسة الروسية في الشرق الأوسط، لطالما كان بوتين يميل أكثر إلى المعسكر الإيراني-السوري. وبشكل خاص، ساهم نشر القوات لحماية نظام الأسد في توطيد غير مسبوق للشراكة الروسية-الإيرانية. وكان بوتين قد أمر باتخاذ تلك الخطوة في أيلول (سبتمبر) 2015، بعد مرور بضعة أشهر فقط على زيارة سليماني لموسكو ومشاركته المفترضة في رسم معالم أولى خطوات التدخل الروسي. وبعد مرور 4 سنوات، ما تزال روسيا تدافع عن الوجود العسكري الإيراني في سورية، كما حصل في حزيران (يونيو) الماضي عندما كرر كبير مستشاري الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف، هذا الموقف خلال قمة أميركية-روسية-إسرائيلية عقدت في القدس. وبالتالي، ليس من المفاجئ أن تشدد وسائل الإعلام الروسية الخاضعة لسيطرة الدولة على الشهرة التي اكتسبها سليماني في إيران كبطل قاتل تنظيمي "داعش" والقاعدة.
كانت إدانة موسكو للضربة الأميركية متوقعة أيضاً. فبوتين يخشى ما يراه حملة بقيادة أميركية لتغيير الأنظمة حول العالم، بما في ذلك في روسيا نفسها، ويقف هذا الخوف وراء تفسيره للأعمال الأميركية. كما أن من المهم بالنسبة للكرملين أن يتمكّن من توقّع خطوات الدول المنافسة. لذلك، كان اغتيال سليماني المفاجئ مقلقاً باعتباره إشارةً محتملة إلى تغيير النظام الإيراني، وفي الوقت نفسه دليلاً على استحالة التنبؤ بأفعال أميركا.
مع ذلك، وعلى الرغم من تحكّم الدولة الكبير بتغطية وسائل الإعلام لحادثة الاغتيال، إلا أن بعض المعلقين الروس عارضوا الاتجاه السائد. وكتب بوريس فيشنيفسكي، وهو نائب في الحزب المعارض الليبرالي "يابلوكو" أنه لا يجدر بموسكو اتهام الآخرين باختراق القانون الدولي وقتل مسؤولين سياديين في وقت قامت فيه بضمّ جزيرة القرم إليها ونفذت مخططات اغتيال بدس السم في دول أجنبية، وأقصت مسؤولين شيشانيين بعد أن وقعت اتفاقات سلام معهم. كما كتب ليونيد غوزمان، وهو سياسي معارض آخر، أنه "يجب أن نشكر" أميركا على قتلها سليماني لأنه قتل الكثيرين وهدد بتدمير دول أخرى.
أما الصحفي أركادي دوبنوف، فكان له رأي مغاير؛ إذ اعتبر أن رد فعل موسكو الرسمي يخبئ واقعاً أكثر تعقيداً. وقد لفت إلى أن الكرملين تلقى خبر مقتل سليماني بمزيج من "الرضا والحسد والإعجاب" -الرضا لأن القضاء عليه سيضعف موقف إيران في المنطقة، مما يرفع بدوره من شأن روسيا؛ والحسد لأن الولايات المتحدة أظهرت أنها ما تزال قائدة النظام العالمي؛ والإعجاب لأن العملية كانت "فعالة ومستهدفة وسريعة".
لكن السؤال الأكثر أهمية هنا والذي ما يزال من دون إجابة هو: ما الذي ستفعله موسكو فعلياً بالإضافة إلى التحذير من "العواقب الوخيمة؟" يعتقد البعض في الحكومة الأميركية وفي حكومات أخرى أن المنافسة بين روسيا وإيران كانت تتصاعد في سورية. فعلى الصعيد العسكري، أصبحت قوات الدفاع الوطني غير النظامية والميليشيات الشيعية في سورية أكثر امتناناً لطهران، في حين أن القوات النظامية لنظام الأسد ما تزال تتعاون عن كثب مع موسكو. وعلى الصعيد الاقتصادي، وفقاً لبعض التقارير، احتكرت روسيا قطاع الفوسفات السوري في حزيران (يونيو) 2018 وطردت إيران من هذا السوق.
على الرغم من هذه المنافسة، لم تبرز أي أدلة قبل مقتل سليماني على أن موسكو أرادت طرد القوات الإيرانية من سورية (بافتراض أنها كانت قادرة على القيام بذلك). وبغض النظر عن تعقيدات العلاقة الثنائية بينهما، فإن الهدف المشترك الجيواستراتيجي بين روسيا وإيران المتمثل في الحد من النفوذ الأميركي أبقاهما متحدتين، وعلى الأرجح سيبقى الوضع على ما هو عليه في المستقبل على الرغم من خلافاتهما التكتيكية والاحتكاكات التي تحصل بينهما من وقت لآخر.
ومع ذلك، سيواصل مقتل سليماني طرح تحديات أمام بوتين نظراً إلى تعويله على مساعدة إيران لدعم بشار الأسد. وإذا ضعفت إيران، فقد تتأثر موسكو سلباً لتدخل في طريق مسدود تترتب عليه أثمان باهظة كانت قد عملت جاهدةً لتجنبه. وتشير مقالات نشرت مؤخراً في وسائل إعلام حكومية إلى أن الكرملين يولي اهتماماً لهذه المسألة؛ وعلى سبيل المثال، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن بيان المتحدث باسم وزير الخارجية الإيراني عباس موسوي قوله إن مقتل سليماني لن يؤثر على التعاون الثنائي في سورية.
لكن خوف بوتين الأكبر الآن هو مَنْ سيكون الضحية التالية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من دعمه الواضح للحكومة "الشرعية" للأسد، يصف بوتين نفسه عموماً بأنه محكِّم محايد في الشرق الأوسط، وقد تُزعزع المبالغة في دعم إيران أو أي جهة أخرى علناً هذا التوازن. وبالتالي، فحتى وسط أصوات الغضب التي تعلو إزاء مقتل سليماني، تكبدت وكالة "ريا نوفوستي" عناء تسليط الضوء على أن الجهات الفاعلة الإقليمية -البحرين وقطر والسعودية- دعت إلى ضبط النفس على الرغم من "اختلاف مواقفها… بشأن إيران". وخلال المرحلة المقبلة، من المحتمل أن يواصل بوتين لعب دور الوسيط، ليضع جهوده في وجه الاضطرابات والصراعات التي يفترض أن الولايات المتحدة هي التي تسببها. وقد يعتمد نجاحه على كيفية إدارة واشنطن للمرحلة التي تعقب اغتيالها لسليماني. وبقدر ما تستطيع موسكو صقل مؤهلاتها كصاحبة نفوذ من دون تخصيص الكثير من الموارد لذلك الغرض، قد يمنحها مقتل سليماني ميزة إضافية على إيران في سورية. لكن هذا الانعطاف الأخير في مجرى الأحداث يسبّب عموماً مشاكل لبوتين أكثر مما يقدم له من الفرص.

اضافة اعلان

*زميلة رفيعة في معهد واشنطن ومؤلفة دراسته الأخيرة التي صدرت في العام 2019 بعنوان "تحول المشهد: الدور العسكري لروسيا في الشرق الأوسط".