رسالة إلى أهلنا الصامدين في فلسطين والقدس

عبدالله توفيق كنعان *

عاش أهلنا الصامدون المرابطون في فلسطين والقدس أيام شهر رمضان المبارك وما أعقبها من أيام يتأهبون لاستقبال عيد الفطر، وهم يتعرضون كحالهم منذ احتلال فلسطين عام 1948 لأشد أشكال الإجرام والترهيب والتقتيل، وبكل وحشية وبربرية لم تعرفها الحضارة الانسانية في تاريخها القديم والحديث، هذه القسوة والعنف التي ما زالت تمارس ضدهم على يد آلة احتلال واستعمار صهيونية لا تعترف بقدسية دينية أو شرعية دولية أو قانون انساني، متجاهلة قيم الكرامة الإنسانية والعدالة الكونية التي هي حق لكل إنسان على هذه الأرض.اضافة اعلان
هذه الصهيونية التي همّها الوحيد تحقيق أهدافها اللامتناهية والتي تسعى لقهر الشعب الفلسطيني صاحب الحق التاريخي المسلوب من قبل إسرائيل زيفاً وبهتاناً، اضافة الى هدفها الأخطر والذي يجب علينا جميعاً أن نعيه ونعمل على وضع الاستراتيجيات الفاعلة لمواجهته والمتمثل في تهديدها لأمن ووجود الأمة العربية والإسلامية وتفتيت وحدتها وشق صفها.
ففي حين تجتمع العائلة المسلمة في كل أنحاء العالم مساء كل يوم رمضاني على مأدبة الإفطار تنتظر سماع صوت الأذان لتفطر في أجواء أسرية آمنة، حرمت الأسرة الفلسطينية والمقدسية المعذبة والجريحة من أن تجتمع كاملة على مأدبة الإفطار، وتعاني حرقة الحرمان لفقدانها أحد أفرادها في هذه الأجواء والمناسبات، فهو إمّا ارتقى شهيداً وفي أحسن الأحوال إما جريح أو أسير، أو منع من الوصول الى بيته بسبب عرقلته بفعل الحواجز الإسرائيلية العشوائية، والمنظر الأشد قسوة أن يكون أحد المعتقلين أمّا حرم أفراد أسرتها من إفطار تعده لهم، أو أب حرم أفراد أسرته من الدخل الذي ينبغي أن يوفره لمتطلبات هذا الشهر المبارك، وربما يكون الأسير طفلاً انتزع بكل وحشية من حضن عائلته لتغيب صورته وضحكاته البريئة عن بيت عاش الألم بعده.
أمّا تكبيرات المساجد وأجراس الكنائس فلا يمكن سماعها بخشوع أو اطمئنان بفعل أصوات البنادق وصراخ وشتائم الجنود الإسرائيليين على الشيوخ والنساء والأطفال، كل هذه الجرائم ترتكب أمام صمت عالمي مريب وغياب للشرعية الدولية التي لم تتخذ ما يلزم تجاه إسرائيل لتنفيذ ولو قرار واحد من حوالي أكثر من 800 قرار صادر من الجمعية العامة ومجلس الأمن بخصوص فلسطين والقدس، فإسرائيل تضرب بعرض الحائط بها كلها، ولا تجد من يردعها سوى جهود منفردة تقوم بها بعض الدول وفي مقدمتها الأردن الذي تربطه بفلسطين والقدس علاقة تاريخية أخوية شقيقة منذ القدم، اضافة الى حصن ودرع الوصاية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، الذي جعل قضية فلسطين والقدس همه وملفه الأول الذي يناقشه ويذكّر العالم به ويدافع عنه في كل المحافل الدولية.
هذا الموقف الذي تكرر في كافة المحافل الدولية وكان آخره ما أكده جلالته مؤخراً في القمة الإسلامية التي عقدت في مكة قبل أيام في دورتها الرابعة عشرة وهو دعوته المستمرة للتصدي لأي محاولة اسرائيلية تهدف لتغيير الوضع القائم والتاريخي في القدس، الى جانب دعوته العالم لدعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من مواجهة الظروف الاقتصادية التي يعانيها، وتمسك جلالته بحق عودة اللاجئين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، كل ذلك والشعب الأردني يقف صفاً واحداً خلف القيادة الهاشمية.
فيا أهلنا في فلسطين والقدس؛ إن الأمة كلها لتفخر وتعتز بصمودكم وبطولاتكم في القدس وفلسطين، وتتراءى أمام عينها صورة المرابطين والمرابطات والمعتكفين والمعتكفات المقدسيين في المسجد الأقصى وهم صامدون في وجه ما يتعرضون له من التضييق والمنع من الاعتكاف، ولطالما كان كل فرد في هذه الأمة يتمنى أن تتاح له فرصة دعم صمودكم التاريخي بكل ما يملك، لعلمنا جميعاً أن قضية فلسطين والقدس قضية كل العرب مسلمين ومسيحيين، وقضية مليار و800 مليون مسلم وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، لذا فإن اللجنة الملكية لشؤون القدس وهي تحيي صمودكم وخاصة في الأيام الأواخر من شهر رمضان لتفخر بكم وبصمودكم، وتطالب الزعامات العربية والإسلامية والدولية بأن تتخذ الموقف اللازم لإجبار إسرائيل لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية إذا كانت فعلاً جادة في تحقيق الأمن والسلام الدوليين.
فمن العار على الدول الكبرى أن تبقى صامتة إزاء هذا الاحتلال الطويل وقد آن الأوان كي تُعاقب إسرائيل إذا رفضت تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وهي على يقين بأن هذا الاستعمار البغيض سيزول عاجلاً أم أجلاً، فإسرائيل لن تبقى قوية للأبد وأميركا لن تبقى داعمة لإسرائيل للأبد، والأمة العربية والإسلامية لن تبقى ضعيفة مفككة للأبد، فوحدة الأمة وتماسك صفها يداً بيد لا بد أن يتولد لدى هذه الأجيال، وسيبقى الأردن بقيادته وشعبه السند للشعب الفلسطيني رغم ما يتعرض له من ضغوط، ترفضها القيادة الهاشمية صاحبة الوصاية ولن ترضخ لها مهما كانت التضحيات وبلغ الثمن.
فكل عام وكل رمضان وكل عيد وأهلنا الصامدون الصابرون في فلسطين التاريخية والقدس عاصمتها الأبدية بألف خير، وأمتنا العربية والإسلامية وأردننا الغالي الداعم والمساند لفلسطين والقدس شعباً وقيادة هاشمية بألف خير.

  • أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس