أفكار ومواقف

رسالة الستين

سائد كراجة

هذه ليست رسالة بروتوكولية عابرة، الرسالة الملكية بمثابة جلسة تأمل للملك مع نفسه ووطنه وشعبه بمناسبة عيده الستين، وهي رسالة الجندي الذي يستريح استراحة المحارب في معركة بناء الوطن؛ ليقدر الموقف بشجاعة الجندي الأمين مع نفسه وشعبه، ويقف على التحديات والإخفاقات، وأيضا وبعزم وإصرار القائد المحارب العنيد يرى عوامل النصر والتقدم والنجاح.

هذه جلسة مع رفاق السلاح من الأردنيين المؤمنين بضرورة الانتصار للمستقبل، الذين يقرأون الواقع ليس فقط، كإمكانيات متاحة بل كفرص يجب خلقها واقتناصها بالعلم والتعليم والتخطيط، ووضع الرؤى والوقوف على تنفيذها، بعيدا عن بعض الجالسين على حواف الرضوخ للواقع المر.

هذه الرسالة تأكيد لنذر الملك حياته للأردنيين وخدمتهم، والعبور بهم للأردن «نموذجا في التقدم والانفتاح والاعتدال والأصالة»، «الأردن المستقبل الذي يراه الشعب والملك»، وهي رسالة قوامها الإيمان بالأردني الذي «إن عزم فعل وإن فعل تميز»، وهي إعلاء للأردني باعتباره أساس العمل، وجوهر التغيير وهدفه واداته، كما انها اعلان استراتيجي؛ بان القفز عن المواطن في التخطيط والتدبير، ووضع الخطط المنبتّة عنه وعن واقعه ذهن يجب تجاوزه؛ نحو موضعة مصلحة المواطن في الصدارة، في معركة بناء الدولة باعتباره الأداة والهدف والمستهدف والمستفيد من البناء.

هي رسالة تقر بالواقع عموما والاقتصادي خصوصا، الذي كرسه تبدل العقول والقلوب وتبدل الخطط مع تغيير «المخططين»، وضعف أداء القطاع العام و»الفساد الوظيفي الذي يختبئ في الرزم الورقية المكدسة»، وفي «المسؤول الذي يهاب اتخاذ القرار والتغيير الايجابي، او يتحصن وراء أسوار البيروقراطية خوفا من تحمل مسؤولية قراره»، الامر الذي أدى الى ضمور القطاع الخاص، واهمال قطاعات عامة مهمة مثل قطاع السياحة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، واعاقة الريادة وتراجع القطاع السياحي الصحي.

هي رسالة قائد، لم يقبل بالواقع والاخفاقات التي حصلت، ومع تفهم الظروف والأسباب الخارجية المحيطة، واهمها المحيط الجيوسياسي للأردن، وايضا جائحة كورونا، الا ان هذه الاسباب لم تكن مشجبا في رؤية القائد الجندي المواطن، بل انها اسباب تجعلنا «نصر ان نترجم رؤيتنا للمستقبل الذي نريده واقعا يعيشه كل ابناء شعبنا الأبي وبناته، وهذا يتطلب منا ان نمضي نحوه بتطوير أدوات عملنا، وتحديثها لتواكب شروط النجاح في عالم سمته التغيير المستمر».

هي رسالة لتكريس مشاركة المواطن في اتخاذ القرار، ودعوة الدولة لتوفير المعلومات للمواطن لمواجهة الإشاعة ودعوات الإحباط، إنها دعوة للشجاعة والجرأة في اتخاذ القرار المدروس، وضمان الحريات العامة وتهيئة الشفافية اللازمة لضمان الحوار العقلاني، والمشاركة الفاعلة لقوى البناء، التي قد تقول ما لا يعجبنا ولكنه يفيدنا.

هذه ليست رسالة ملكية وحسب، هذه سرد الدولة في مئويتها الثانية، وهي وإن انتهت الى تشكيل لجنة خبراء لوضع خطة عمل اقتصادية، تكون عابرة للحكومات، يضعها خبراء من القطاع العام والخاص، فإنني أدعو أيضا الى ترجمتها إلى أهداف واضحة على الصعد القيمية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، تلتزم الدولة بتحقيقها ضمن إطار زمني واضح ومحدد.

شراكتنا مع الملك في بناء الدولة شراكة مصير، والملك يضع يده بيد الشعب، بعزم وإصرار القائد المؤمن بالنصر، وهذه بداية للعمل نحو إكمال الإنجازات، والبناء عليها نحو الأردن الحديث الديمقراطي المزدهر المنفتح المعتدل الذي نريد، وإن غد الأردن المشرق لصانعه قريب.

المقال السابق للكاتب

كلام في برامجية الأحزاب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock