رسالة فيلسوف لمعلمه

يقول الأديب والفيلسوف الفرنسي البير كامو، الفائز بجائزة نوبل للأدب العام 1957، عن كتابه الغريب، فكرت بالشخص الذي يجب أن أشكره بعد والدتي فقررت أن أبعث رسالة لمعلمي في المرحلة الابتدائية، فكتب كامو رسالة الشكر والعرفان هذه لمعلمه لويس جيرمين، والذي اهتم به ورعاه في طفولته ووجّهه على الطريق الذي قاده في نهاية المطاف لأن يصبح كاتبا ذا صيت واحترام عالمي، وصولا للفوز بجائزة نوبل للأدب. جاء في رسالة البير كامو "عزيزي سيد جيرمين... سمحت لشعوري الغامر أن يهدأ قبل أن أحدثك من صميم قلبي. فلقد نلت شرفًا عظيما جدا، شرفا لم أبتغيه ولم أطمح له... لكنني عندما علمت بخبر فوزي بالجائزة، أول ما خطر على ذهني، بعد والدتي، هو أنت... فلولاك، ولولا هذه اليد العطوف التي مددتها لذلك الطفل المسكين الذي كنته، ولولا تعاليمك ولولا وجودك كقدوة، لم يكن كل هذا ليحدث... لا أحصل على شرف عظيم كهذا دائما.. لكنني أريد أن أستغل هذه الفرصة الآن لأعبر عن مكانتك لدي سابقا وحاليا، وأؤكد لك أن جهودك، وعملك، وتفانيك ما يزال يعيش في أحد تلاميذك الصغار الذين وبرغم كل هذه السنين، لم يتوقفوا عن كونهم تلاميذك المدينين لك... أعانقك بكل قلبي... ألبير كامو". هكذا خاطب الأديب والفيلسوف كامو معلمه في المرحلة الابتدائية، فرغم السنين التي مرت لم يغب عن باله معلمه، واستذكره عندما علم بفوزه بجائزة نوبل للأدب، وكتب له ما جال في نفسه، واستذكر دوره الذي قدمه منذ صغره. استحضرت رسالة الأديب كامو بعد الإعلان عن توافق بين الحكومة ونقابة المعلمين، توافق أعاد المعلمين والطلاب معا لصفوفهم، وأنهى إضرابا استمر شهرا بالكامل أثبتت فيه الحكومة والنقابة معا أن الحوار وحده هو السبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر، وأن المشهد الحضاري والديمقراطي الذي شاهدناه يثبت أن الأردن بخير وأن الأجواء الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها الوصول لتوافقات وتقريب وجهات النظر. أمس عاد الطلاب ومعلموهم للصفوف، وأمس انتصر الوطن، وأثبت الجميع أنه لا مجال للقول إن هذا الطرف أو ذاك قد خسر الرهان، فالجميع خرجوا فرحين بالإنجاز الذي تحقق، ومن خلاله استطعنا أن نضع لبنة ثابتة ومكينة في ميدان العمل الديمقراطي المطلبي. لا يجوز لأحد أن يغضب فأمام المعلم، لا يوجد خاسر ورابح، وما جاء في منشور رئيس الوزراء عمر الرزاز بمناسبة يوم المعلم السبت الماضي، وما تضمنه المنشور من أسف واضح لما تعرض له بعض المعلمين، يعتبر موقفا شجاعا من قبل الرئيس الرزاز واحتراما للمعلم ومكانته ودوره. فالرزاز في رسالته قدم درسا إيجابيا، كنا بحاجة إليه، فهو عندما يقول "تمسكون الطبشورة بيد والجمر بيد أخرى، صابرين على أوضاع معيشية صعبة وبيئة صفيّة بعيدة عن الطموح، تطمحون إلى غدٍ أفضل، وهذا طموح مشروع، بل واجب، وإيصال صوتكم واجب، والتحاور حول سبل تحقيق الآمال واجب، وواجب وزارة التربية والتعليم والحكومة الانخراط بهذا الحوار والتوصّل إلى ما هو في مصلحة المعلم ومصلحة الطالب ومصلحة الوطن"، وتلك رؤية من الواضح أن الحكومة لامستها بعمق واستشعرت الأوضاع المعيشية التي يعانيها المعلم، - كما فئات أخرى في الوطن- ولذا فإن ما قدمته الحكومة للمعلم يعتبر قليلا من كثير وتطور يحسب للحكومة وليس عليها. لسنا أقل وفاء من الفيلسوف كامو لمعلمه في المرحلة الابتدائية، ولسنا جاحدين لكي ننسى أولئك الذين علمونا الحرف الأول والكلمة الأولى، وتدرجوا معنا طوال سنين دراستنا فخرجوا المحامي والطبيب والصحفي والمهندس وضابط الأمن والمدير والوزير والعالم وأستاذ الجامعة، والفيليسوف والأديب، ولهذا كله لا يسعنا إلا أن نقول، مبروك للوطن كله على الإنجاز الذي تحقق، فرفعة المعلم وإعلاء شأنه من رفعة الوطن.اضافة اعلان