رسالة من رام الله

.jpg
.jpg

معاريف

بقلم: تل ليف رام

اضافة اعلان

19/4/2019

في واقع تسود فيه قطيعة تامة بين حكومة اسرائيل وزعامة السلطة الفلسطينية حتى لقاءا للصحافيين نظمته منظمة مبادرة جنيف مع مسؤولين كبار في السلطة ومقربين من ابو مازن يبدو كحدث استثنائي.
رحلة دقائق معدودة من معبر قلنديا، فاذا بنا في رام الله، نشعر وكأننا في خارج البلاد باستثناء التواجد الملموس للشرطة واجهزة الأمن الفلسطينية، الذين يقفون في كل مفترق وميدان في المدينة، مع قبعات حمراء على رؤوسهم وسلاح اوتوماتيكي في اياديهم. هذه فترة متوترة بالنسبة للسلطة، وليس فقط من ناحية العلاقات مع إسرائيل. فالتوتر الداخلي يتعاظم والضائقة الاقتصادية تهدد الحكم.
يفعل المضيفون من جانبهم كل شيء كي نشعر بالراحة. يصل الى المكاتب المتواضعة للجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي في م.ت.ف الناطق بلسان أبو مازن ووزير الإعلام نبيل أبو ردينة، عضو اللجنة المركزية لفتح، محمد المدني، وزراء ومقربون من رئيس السلطة. يمكن للمرء أن يأخذ الانطباع بان هذا اللقاء مهم لهم. فهم يريدون نقل رسالة إلى المجتمع في إسرائيل لان وجهتهم نحو الحوار، الحديث وحل الدولتين، الذي ابتعد عن الخطاب الجماهيري بشكل خاص بعد الانتخابات الاخيرة، والتي غابت عنها المسألة الفلسطينية.
لا يكثر أبو ردينة من اللقاء مع وفود من الصحفيين الإسرائيليين. ولكن مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دفعته لان ينقل رسالة: "طالما لم تكن القدس على الطاولة فان خطة ترامب هي الاخرى لن تكون على الطاولة". نقطة البدء في المفاوضات من ناحيتهم هي الاعتراف بحل الدولتين على اساس حدود 1967 وتقسيم القدس.
ولكن فضلا عن المواضيع السياسية، والتي يكاد حلها يبدو متعذرا، عني الحوار في الغرفة بالممارسة اليومية. وبالاساس بالوضع الاقتصادي الصعب للسلطة وبالقرار الإسرائيلي لاقتطاع أموال عائلات السجناء من أموال الضرائب. ويعتقد مسؤولو السلطة بان هذه الخطوة تقربهم من الهوة. لماذا اتخذت إسرائيل الآن بالذات هذا القرار؟ يتساءلون. الاحساس هو أن إسرائيل تبدي مرونة أكبر مع حماس وتناطح السلطة الفلسطينية رأسا برأس.
رغم ان النقاش يجري بشكل منفتح وحضاري، لا يمكن للمرء أن يتفادى احساس السفر في مسار بلا مخرج. فالمسافة بين الاجماع الإسرائيلي الذي يرى في تحويل الاموال، خطوة غير معقولة وبين الفلسطينيين الذين يرون في هذا العمل تدخلا فظا من الحكومة الاسرائيلية في ادارة اموالهم وفي التزامهم تجاه عائلات الاسرى – غير قابلة للجسر.
ولكن بعد كل هذا، توجد ايضا الحياة نفسها. في أجواء رسمية أقل، في مطعم "دارنا" في البلدة القديمة، نسمع من اياد ولميس الشابين من رام الله اللذين يرافقان الوفد عن الجيل الشاب الذي يرغب بالحياة الطيبة والكريمة ولا يعنى بالسياسة. فهما يتحدثان عن حياة الليل المزدهرة في المدينة ويشيران إلى أن التصعيد السياسي أو الأمني مع إسرائيل له تأثير على أماكن الترفيه. مثلما هو الحال عندنا، هكذا هو عندهم ايضا.
في الطريق إلى البيت نتوقف لتناول الكنافة في نفيسه. في محل الحلويات الهائل لم يتوقعوا بالتأكيد الجمهور الكبير من اسرائيل الذي هجم على الكنافة. 40 شيكلا فقط للكيلو وطعم يبعث لديك منذ الآن الشوق له. زيارة من هذا النوع تبقي غير قليل من الافكار. لا توجد سذاجة. فاحتمالات الحل السياسي طفيفة. من الصعب أن نتخيل كيف يمكن جسر الفوارق في المواقف، في وصف الحقيقة، في الرواية وفي الصور الوطنية. ومع ذلك، للحوار ايضا توجد اهمية. فالقطيعة المطلقة بين اسرائيل والسلطة تزيد التوتر والاغتراب. وانفجار الانتفاضة الشعبية في يهودا والسامرة لن يخدم ايا من الطرفين. ولكن حماس ستخرج منها رابحة.
مكالمة منتظرة
مر اقل من أسبوعين منذ ان أوشكت إسرائيل وحماس على المواجهة الجبهوية في قطاع غزة. في هذه الاثناء نشهد ميل هدوء. وما يزال، فان عناصر عدم الاستقرار، وفي اساسها الوضع الاقتصادي في قطاع غزة لم تختف وسترافقنا في الاشهر القادمة ايضا.
صحيح حتى الآن اختارت إسرائيل وقيادة حماس الخط البراغماتي لابعاد المواجهة العسكرية عن جدول الأعمال. فالحل الوسط الذي وضعته المخابرات في موضوع الهواتف العامة في أقسام السجن الأمني اوقف اضرابهم عن الطعام، وازال في هذه المرحلة عائقا هاما كان يمكنه أن يؤثر على الوضع الأمني في الجنوب ايضا.
وحسب الاتفاقات ستركب هواتف هامة تخضع للرقابة في كل الاقسام التي يحتجز فيها السجناء. وفي كل السجون تنصب موانع لحظر المكالمات في الهواتف النقالة. هذا الحل لم يخفض فقط مستوى اللهيب في السجون، بل وساعد الطرفين على عرض انجازات للجمهور. فانجاز اسرائيل كان في أنها لم تخضع لانذار السجناء وتقاتل لاول مرة ضد قصور تهريب الهواتف الخلوية واستخدامها في السجون الامنية. اما حماس فتتباهى في أنها نجحت في ان تدخل لاول مرة هواتف عامة الى السجون. عززت المنظمة موقفها في أن اسرائيل لا تفهم الا لغة القوة وانه بهذه الطريقة فقط يمكن الوصول الى انجازات.
في جهاز الامن ايدوا الحل الوسط، ولكن في المخابرات سمعت اصوات اخرى ادعت بان هذا الحل ادى الى تآكل في موقفهم. يطعنون ضابطا، يحرقون حجرات وبالمقابل يحصلون على هواتف. المشكلة في المستقبل ستكون مع سجناء فتح، كما يضيفون – فهم يرون حماس تحصل على انجازات حيال اسرائيل ويشعرون انهم في فخ.
في هذه الاثناء نصبت موانع في قسمين. وفي الصيف سيتم توسيع المشروع التجريبي. وفي الخلفية توجد استنتاجات اللجنة العامة لفحص ظروف السجناء والتي عينها وزير الامن الداخلي جلعاد اردان، والتي اوصت بتشديد ظروف حياتهم وسحب الامتيازات التي اعطيت لهم في الماضي. إذا تحققت استنتاجات اللجنة فقد نرى اشتعالا متجددا في الميدان.
غير أنه بعد التطورات الاخيرة يبدو ان رئيس الوزراء سيواصل اختيار جانب المساومة انطلاقا من الرغبة في عدم الانجرار في هذه المرحلة الى مواجهة في قطاع غزة. كما أن زعيم حماس في غزة يحيى السنوار يطلق الاشارات بانه غير معني بمواجهة عسكرية. في جهاز الأمن يعتقدون ان أزمته هي قبل كل شيء اقتصادية. فهو ملتزم بتغيير الوضع الاشوه لسكان القطاع ويعمل بشكل مخطط وبراغماتي. وحسب فكره، فانه نجح في دحر اسرائيل الى الزاوية في السنة الاخيرة مع مسيرات العودة. والان ليس فقط لا يمكن تجاهله بل ويجب توفير الحلول له للتخفيف من الحصار. وفي الشهر الاخير مع الوساطة المصرية، المال القطري والتسهيلات الاسرائيلية، يقترب من الانجاز الذي يمكنه أن يلوح به امام سكان القطاع.
أما عمليا فقد اتخذت اسرائيل وحماس بالاجمال بضع خطوات الى الوراء، دون تسوية ذات مغزى تبدأ قبل كل شيء بحل مسألة الاسرى والمفقودين. كما أن التفاهمات الاخيرة هي في هذه اللحظة هشة ولا سيما على خلفية حقيقة ان السنوار يتعرض لضغوط من الجناح العسكري لحماس. ويمكن للجهاد الاسلامي انشاء ان يقلب الجرة على رأسها باعمال الارهاب. في كل الأحوال، يبدو في هذه المرحلة ان اسرائيل تتعامل مع مسؤولي حماس في غزة وفي السجون أكثر مما تتعامل مع ابو مازن وقيادة السلطة الفلسطينية.
ان سياسة نتنياهو تجاه غزة لم تتغير. فرئيس الوزراء يؤيد موقف جهاز الأمن الذي يدعو الى استنفاد الخطوات السياسية قبل الوصول الى مواجهة عسكرية. وهذا الفهم لا يستوي مع مطالب افيغدور ليبرمان، الذي خرج من الانتخابات الاخيرة معززا سياسيا.
ليبرمان معني بحقيبة الدفاع، هكذا قيل، ولكنه يشهد على جلدته نقاط ضعف الحقيبة المنشودة وعلى علم باحتمال الضرر السياسي الذي يمكن ان تلحقه به. في هذه الاثناء يطلب من نتنياهو الحسم وليس الاحتواء، ولكن مشكوك أن يتمكن رئيس الوزراء من تلبية هذا الطلب ولا حتى جزئيا.