رمضان: عبادة الإخلاص وشهر المغفرة

عمان- من تعريفات الصيام؛ أنه عبادة الإخلاص، كيف؟ قد يأتي رمضان في الصيف، واليوم في الصيف طويل، قد يقترب من 17 ساعة، والحر شديد، والعطش يكاد يميت الإنسان، تدخل إلى بيتك، وليس في البيت أحد، الثلاجة فيها ماء عذب فرات بارد، ولا تستطيع أن تضع قطرة ماء في جوفك، لماذا؟ من يحاسب؟ لا أحد في الأرض يحاسبك، لذلك: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به).اضافة اعلان
لكن ما حكمته؟ أنت في أشهر العام تأكل الطعام والشراب، هل تشعر بذنب إذا تناولت طعام الإفطار؟ هل تشعر بذنب إذا شربت كأس ماء؟ في أيام الإفطار هل تشعر بذنب إذا قاربت زوجتك، وهي حلال لك؟ أبداً إطلاقاً، ولا واحد بالمليون، الأشياء المباحة الحلال التي أبيحت لك، ولا شيء عليك لو مارستها، محرمة في نهار رمضان، إذا كان تناول الطعام والشراب وهو مباح في غير رمضان، محرماً في رمضان، فأن تدع المعاصي والآثام من باب أولى، كأن الله عز وجل قوى فيك الإرادة، أنت ممتنع عن الطعام والشراب فهل يعقل أن تكذب؟ هل يعقل أن تغتاب؟ هل يعقل أن تقول الباطل؟ هل يعقل أن تغش المسلمين؟ أنت تارك الطعام والشراب، الحلال تاركه، فلأن تدع الحرام من باب أولى، فكأن الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر قوى لك الإرادة على أن تصوم رمضان.
الإنسان أحياناً يستثني دورة محدودة، قد لا يحتمل أن يدرس لخمسين سنة مقبلة، أما دورة في ثلاثين يوما فقط يستطيع.
رمضان شهر المغفرة:
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه)، (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه).
للتقريب: واحد عليه 8 ملايين دينا، أمواله كلها محجوزة، عليه محاكمة، وعليه سجن، قيل له: افعل هذه الأفعال ثلاثين يوماً فقط، وبعدها أنت معفى من كل شيء، 8 ملايين ألغيت، والمحكمة ألغيت، والحجوزات ألغيت، هل يتردد الواحد منا ثانية؟ أنت في رمضان تفتح مع الله صفحة جديدة.
(من صام رمضان -هذا في الصحاح- إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
لكن هناك فكرة دقيقة، يجب أن تكون سرعتك في رمضان مائة، أنت هنا صفر، أو واحد، أنت لا تقدر أن تمشي على الواحد، لـ29 شعبان، وتقفز فوراً للمائة، لا تستطيع، المفروض أن تهيئ نفسك، هناك مشكلة حلَّها قبل رمضان، مشكلة عويصة أجّلها إلى ما بعد رمضان، محاولة كسوة بيت افعلها قبل رمضان، لأن رمضان شهر عبادة، شهر تفرغ، والحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف في رمضان، وهو انقطاع عن العالم الخارجي كلياً، أنا قد لا أحثكم على أن تعتكفوا، الحياة معقدة، الحياة معقدة جداً، ولكن معنى الاعتكاف أن تنقطع عن العالم الخارجي، عن عالم القيل والقال، والسؤال والجواب، والنقد، والهموم والأحزان، هذا شهر دورة تدريبية مع الله، لأن العبادة فيها شحنة.
رمضان ثلاثون يوما من الصيام، ومن قراءة قرآن، ومن الذكر، ومن صلاة الفجر في المسجد، ومن صلاة العشاء في المسجد، وكل يوم عشرون ركعة تراويح، وثلاثون يوما من الإنفاق، وغض بصر، وضبط لسان، رمضان شحنة من العام إلى العام، الحج شحنة إلى بقية العمر، شهر من السفر وترك الأهل والأولاد، واستقبال الكعبة، والطواف، والسعي، ووقوف بعرفات، ووقوف بمنى ومزدلفة... إلخ.
إذن: العبادات شحنات، وكلما كان الأمد أطول كانت الشحنة أشد، هذا من معاني الصيام.
إذن: الصيام تقوية الإرادة على طاعة الله، لكن نحن نتمنى من أعماق أعماقنا ألاّ يكون صيامنا صياما حديثا، موسم رمضان في المجتمعات المعاصرة موسم الأفلام، موسم الفن، موسم السهرات، موسم الولائم، موسم التخمة، موسم السهر إلى ساعة متأخرة من الليل، المؤمن يجعل من هذا الشهر شهر عبادة، لا شهر لقاءات وولائم، وما شاكل ذلك، وهنالك فئات والعياذ بالله، صيام رمضان عندها فلكلور، تأتي إلى الخيام الرمضانية تبدأ الخيمة بتناول طعام الإفطار، وتنتهي بالرقص والموسيقى والغناء، رمضان عند الشاردين موسم فني فقط، وكل الأعمال الساقطة يكتبون عنها: "إكراماً لقدوم شهر رمضان المبارك"، نحن كمؤمنين هذا الشهر شهر عبادة، يمكن أن تقفز قفزة نوعية في هذا الشهر.

من محاضرات محمد راتب النابلسي