"رمضان كريم"... هل يحتاج فتوى؟!

تتنوعُ المقاربات التي تُناقشُ كيفيات مواجهة التطرف الديني. ويبدو شهر رمضان فرصة مواتية للتوظيف الجاد والمنهجي باتجاه تقديم نماذج من شأنها تحسين مضامين الخطاب الديني وتعريضه لجرعات من الإصلاح القائم على أساس توسيع مساحات الحرية والعقلانية والبعد الأخلاقي والإنساني في الخطاب والمعرفة الدينية.اضافة اعلان
هذا التفاؤل بفرصة رمضان منوط بالمؤسسات الدينية ومنصات الوعظ والإرشاد والإقتاء. وكثيرٌ مما يصدر عنها يؤكد حاجتها الماسّة للإصلاح والمعالجة. ومؤخراً، صدر موقفان عن مؤسستين دينيتين في دولة الإمارات والأردن من المفيد أن يكونا نموذجين لإثارة الحوار في رمضان وما بعده. فقد أكّد المركز الرسمي للإفتاء في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الإمارات أن الاحتفال في ليلة النصف من شهر شعبان أو ما يطلق علية في الإمارات "حق الليلة" مباح ولا حرج فيه، ويُصنَّف على أنه عادة اجتماعية متوارثة من الأجداد تهدف إلى إدخال الفرح والسرور إلى قلوب الأطفال وتهيئتهم نفسياً لاقتراب حلول شهر رمضان. وفي الأردن، اعتبرت دائرة الإفتاء أن عبارة "رمضان كريم"، التي يتداولها المسلمون كل عام في رمضان، "جائزة ولا حرج في قولها".
والواقع أنّ غَمْر الحياة بالفتاوى والتعليمات وتكييف الطبيعة الإنسانية وفقاً لها إنما يقف على الضدّ من تحرير الإنسان والثقة به، وهو مقصد أيّ إصلاح ديني حقيقي. وقد أصاب أكاديميٌ إماراتيٌ غرّد على "تويتر" بالقول: "لسنا بحاجة في الإمارات إلى فتوى رسمية لممارسة عادة اجتماعية حميدة كحقّ الليلة". وهو ما ينطبق أيضاً على قول "رمضان كريم"؛ إذ التساؤل عن فتوى لكلّ خطوة، إنما يؤسس لتمديد تدخلات السلطة الدينية في الحيز الفردي للمواطنين، ويُرسخ عقدة "التأثيم" و"الشعور الدائم بالذنب" لدى المتدينين، وهو ما يتعاكس أيضاً مع مقصد الإصلاح الديني المرتجى منه حماية الإنسان من سوء استخدام السلطة (دينية وسياسية واجتماعية).
إن جزءاً مطلوباً من إصلاح السلطات والمجتمعات للمؤسسات الدينية الرسمية يكمنُ في إشاعةِ مفهومٍ للإيمان لا يُربَطُ تصاعُدُه بزيادةِ الطلبِ على الفتوى في كلّ صغيرة وكبيرة، وبما يعطّل الطبيعة والعقل والإرادة الإنسانية، بل يُربَطُ بمتانة الوازع الضميري والجانب الأخلاقي والذوق الإنساني والمحبة والتضامن والخيرية. التديّنُ الوِسواسيّ يُكثِرُ الطلبَ على الفتوى. والمؤسسة الدينية التي لا يضيرها ذلك، بل تراه ترسيخاً لسلطتها، غيرُ مؤهلةٍ للتجديد الديني، وهي عقبة أمامه؛ لأنها تُقدّمُ فهماً للإيمان والتديّن يقومان على الهشاشة وعدم الثقة بعقل الإنسان وقلبه لدرجة أنه لا يعرف ما إذا كانت فرحة الأطفال ولعبهم في "حق الليلة" جائزة أم لا، أو ما إذا كان قول "رمضان كريم" مباحاً أم خارج المسِطرة الدينية!
أليس يَبتدئُ التشددُ والتطرفُ الدينيّ بالرغبة في محاسبة الناس على سلوكهم وتطويعهم على مثالٍ ونسخة واحدة ووحيدة في التديّن؟ أليس التطرفُ إيماناً بأنّ ثمة طرف واحد هو فقط من يملك الحقيقة والطريق إلى الهُدى؟ أليس التطرفُ إعادة محاكمةٍ لكلِّ ما هو عاديّ وفطريّ ويتشارك أصحاء العقول على وصفه بالبدهي؟
إنّ فرصة رمضان، بما هو شهر للرحمة والتكافل والسمو الروحي، تستدعي دفع المؤسسات الدينية لتبني خطابٍ ديني يبتعد عن الترويج لصورة الإنسان القاصر والمُصاب بالوسوسة من الذنب، والجاهل بما ينفعه وغير القادر على معرفة الصواب من الخطأ والجميل من القبيح.
الإنسانُ القاصِرُ يُنتج إيماناً خَداجاً ينجذب لقيمٍ دينية قد تؤسس للاستبداد والعنف والطفولة الفكرية. والإيمانُ الراشدُ، تُسهم في إنتاجه مؤسسةٌ دينيةٌ راشدةٌ تقول للناس إنّ الإيمانَ الأكثرَ أنْ يكونوا إنسانيين أكثر... وأحراراً أكثر.