"رهاب الزلزال".. حينما "يستوطن" النفوس ويغيب الأمان النفسي

زلزال تركيا - (وكالات)
زلزال تركيا - (وكالات)
منى أبو حمور - تحاول البقاء مستيقظة طوال الليل، تقلقها العتمة وينتابها خوف النوم، تخشى أن تغفو عيناها فتصحو على ويلات الزلزال. تراقب حركة أثاث منزلها تنظر إلى الطاولة وكوب الشاي وكأس الماء بجانب سريرها لعل واحدا منها تحرك من مكانه. ليس ذلك فقط، إنما فرضت على نفسها وردية ليلية إجبارية معتقدة أنها بذلك تباغت الزلزال قبل قدومه وتجد حلا للهروب فلا يقوى على أن ينال منها ومن أطفالها الصغار النيام. هذا هو حال الأربعينية آلاء عبدالحميد التي تعيش حالة نفسية صعبة ومقلقة منذ الإعلان عن كارثة الزلزال التي خلفت ورائها عشرات الآلاف من الضحايا ودمّرت البيوت وشردت مئات الآلاف في جنوب تركيا وشمال سورية. حالة الخوف التي قد تكون "مبالغ بها" انتابت آلاء منذ وقوع الزلزال ما أدخلها حالة من الرهاب وجعلها تعيش بقلق دائم طوال اليوم على نفسها وعائلتها وأطفالها. أصبحت تفكر في تفاصيل منزلها وتحصي النوافذ والأبواب وتفكر في طريقة الهروب حتى أنها لم تكن تلاحظ من قبل أن بيتها على الجهة المعاكسة للشارع وهو ما زاد خوفها بعد الزلزال. حال آلاء لا يختلف كثيرا عن الخمسينية سعاد التي أصبحت لحظة غروب الشمس بالنسبة لها خوفا وهلعا وقلقا فلم يعد الليل بالنسبة لها راحة وسكينة وطمأنينة، فقد حوله زلزال تركيا وسورية إلى سواد موحش ومقلق يخبئ لحظات مجهولة وحسرات على حد قولها. سعاد كحال الكثير من الأمهات اللواتي بكين مع أمهات سورية وتركيا وأوجعتهم قلوبهم على الأطفال والشيوخ الذين تواجدوا بين ركام بيوتهم يختبرون جميعا الخوف والألم، الأمر الذي ترك خوفا كبيرا وقلقا من النوم وخشية من قدوم الليل الذي أصبح للكثيرين رعب وخوف ودمار. وتقول سعاد، "في كل يوم نستيقظ على سلام وهدوء وكل شيء في مكانه أشكر الله على فرصة جديدة منحني إياها مع عائلتي"، فحال لسانها وعقلها منذ وقوع كارثة الزلزال المدمر هو أن تعيش وأسرتها رعب التجربة ذاتها. من جهة أخرى كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في حالة الرهاب والخوف التي رافقت كارثة الزلزال، حيث ضجت هذه المواقع بالأخبار والتفاصيل الموجعة لضحايا الزلزال ونقلت الحدث بدقة، فأصبح متابعو تلك المواقع يعيشون الألم والمرارة ذاتها فضلا عن الكم الهائل من الفيديوهات القديمة والجديدة والأخبار التي جعلت الزلزال عنوانا لها، كلها تفاصيل أدخلت الكثيرين في حالة من الخوف المستمر وأصبحوا يعيشون فوبيا من الفقد ورهابا من الزلزال. إلى ذلك، أوجد زلزال تركيا وسورية صدمة عالمية لم تقتصر على مستوى تلك الدول بحسب أخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي حيث ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الأخبار بنقل كل ما جرى من آثار مدمرة للزلزال مباشرة والتي رافقت عمليات الإنقاذ والقصص الموجعة التي صاحبت الزلزال من موت وخراب ودمار وأطفال تيتموا وفقدوا أسرهم وكبار سن أصبحوا بلا مأوى. كل هذه التفاصيل وفق الخزاعي وضعت العالم على المحك، خصوصا أن الكوارث الطبيعية والزلازل منها لا يمكن التنبؤ بها، فالعالم أجمع أصبح اليوم يراقب الزلزال وأصبح الوعي المعرفي والبحث عن المعلومات والتثقيف أعلى لدى الناس، وزادت متابعة الأخبار وأصبح الجميع أكثر حيطة وحذرا والبحث عن معرفة أكثر كيف يمكن التعامل مع الزلزال. ويقول الخزاعي: "خلف الزلزال عدة مفردات؛ قلق، توتر، حزن وخوف"، الخوف من المستقبل وعيش تجربة الأتراك والسوريين والقلق الدائم من حدوث الزلزال في منتصف الليل والناس نيام، فضلا عن توتر الأطفال وخوفهم من فقدان ذويهم وخسارة بيتهم وكتبهم وألعابهم. من جهة أخرى أثارت الفيديوهات التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي بحسب الخزاعي لزلازل قديمة وجديدة والقصص الموجعة والمحزنة لضحايا الزلزال والناجين أشبه ما يكون بالرهاب لدى المتلقي الذي بات يعاني من هاجس الزلزال ويعيش حالة الرعب والهلع رغم عدم وقوعها. وأعطى الزلزال دروسا كثيرة للناس أهمها أن لا شيء دائم على وجه الكرة الأرضية، وزادت حالة التعاضد والتكافل والتعاون الكبيرة التي عاشها العالم أجمع الذي لم يوفر جهدا للوقوف إلى جانب الأسر المكلومة السورية والتركية والشعور مع الناجين من الزلزال ما بعث بالطمأنينة لديهم بأنهم ليسوا وحدهم وأن المصاب واحد في كل العالم. ويؤكد الخزاعي ضرورة الالتفات إلى يتامى الزلزال وكبار السن الذين فقدوا بيوتهم وجيرانهم وأبناءهم وأمانهم الذي عاشوا فيه طويلا وهو أمر يستحق التفكير فيه وأخذه بعين الاعتبار. وعلى أولياء الأمور- بحسب الخزاعي- رفع وعي أبنائهم بأن الكوارث الطبيعية والزلزال أمر خارج عن الإرادة ومن الممكن حدوثه بأي دولة في العالم، لافتا إلى أن الحديث عن الارتدادات التي ستحدث في الأردن وسورية والعراق واليونان وكل ما تتناقله وسائل الإعلام أثار الخوف والقلق بشكل أكبر. ويتابع الخزاعي، الأصل أن نستفيد من تجارب غيرنا في الكوارث الخارجة عن الإرادة و "الابتعاد عن التوقعات السلبية والأوهام التي توقف حياتنا ونشاطاتنا وتؤزم الحياة". ويوافقه الرأي خبير علم النفس الدكتور علي الغزو الذي أشار إلى أن تسليط الضوء على ضحايا الزلزال والآثار المدمرة التي خلفها وعمليات الردم والمباني التي انهارت وصور الضحايا والمصابين، خلق حالة من الفوبيا وأحيانا تكون شديدة. كثير من المتلقين أصبحوا يضعون أنفسهم في ذات المكان، ويبدأون بالتساؤل ما الذي يمكن أن يحدث لأسرهم وأطفالهم، ما يضاعف شعور الخوف والقلق وفق الغزو. ويرى الغزو أن الأساس أن يكون لدى الإنسان ثقة وقوة إيمان أنه سيعيش قدره، وعدم التفكير بالكوارث الطبيعية وكأنها ستحدث بأي لحظة لأن ذلك سيجعله يعيش بتوتر دائم وعليه أن يأخذ دائما بالأسباب. ويقول الخزاعي، "يخرج من رحم الكرب دائما فرج وهذا وثقته قصص الناجين في الزلزال"، حيث بعثت الكثير من قصص الأطفال الناجين وكبار السن الأمل في العيش والإيمان بأن الأقدار مفروضة على الناس. ويشدد الغزو على ضرور النظر إلى الجانب الإيجابي للكوارث والأزمات وإعادة النظر في تقييم العلاقات الإنسانية وعلاقة الشخص مع الآخرين والابتعاد عن التفكير السلبي الذي يخلق أمراضا نفسية فالجميع بغنى عنها، خصوصا في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يختبرها الجميع. وبحسب الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة فإن الفوبيا والرهاب الاجتماعي قد يدخل البعض في اكتئاب وحالة من عدم السيطرة على الأفكار ومشكلة في التفكير التي تنعكس على حالته العامة. والقلق ليس من الرهاب من الزلزال بحد ذاته بحسب مطارنة، بقدر دخول البعض بحالة من الاكتئاب واليأس، إضافة إلى حالة من عدم الأمان النفسي والصراع الذاتي، يرافقها حالة من الحزن والألم الشديد الذي قد يسبب انعدام الرغبة في الحياة. ويتابع "هذه كلها نتائج الصدمات التي تصيب الإنسان ونتيجة لأحداث سلبية ليشعر بغياب الأمان والسلام الاجتماعي"، لافتا إلى أن أصعب الأشياء في حياة الإنسان فقدان الأمن النفسي والشعور بالخطر المهدد في كل مكان، مؤكدا أن الأولى القدرة على التعامل أو التفاعل مع الحالة العامة الموجودة بشكلها الطبيعي. اقرأ أيضاً: صغار يتأثرون بمشاهد الضحايا والدمار الذي خلفه الزلزال.. ما دور الأهل في طمأنتهم؟ كيف تحتوي أطفالك بعد الزلزال حتى تمرّ الكارثة بسلام؟ كيف نشرح لأطفالنا عن الزلازل بأسلوب مبسط؟اضافة اعلان