روائع القصص

نهاية غني
قارون هو شخص من قوم سيدنا موسى، ولعله إبن عمه كما يروي المفسرون، وقد تم ذكر قصته وقصة كنوزه في القرآن الكريم، وكيف إن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء. اضافة اعلان
ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟!، قال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبرًا طولًا ترفعًا على قومه، وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه، حتى أن مفاتيحه كان يثقل حملها على الرجال الشداد.
لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء، ولا يذكر القرآن فيما كان البغي، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور، فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم، وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال، حق الفقراء في أموال الأغنياء، وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.
وقام العقلاء من قومه بنصحه وتوجيهه وحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة، فعليه أن يعمل لآخرته بهذا المال، ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان.
فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان، ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه، فالله لا يحب المفسدين، وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله إليك بما أعطاك ورزقك، ولا تسيء إليهم، ولا تفسد فيهم، فتقابلهم ضد ما أمرت فيهم، فيعاقبك ويسلبك ما وهبك.
فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي، لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء، فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، وكأنه يقول : أنا لا أحتاج إلى استعمال ما ذكرتم، ولا إلى ما إليه أشرتم، فإن الله إنما أعطاني هذا، لعلمه أني أستحقه، وأني أهل له، ولولا أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني.
ورد الله جل جلاله بقوله "أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ"، أي: قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم، من هو أشد من قارون قوة وأكثر أموالا وأولاد.
وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة، فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.
ذكر كثير من المفسرين: أنه خرج في تجمل عظيم من ملابس، ومراكب، وخدم، وحشم، فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا، تمنوا أن لو كانوا مثله، وغبطوه بما عليه وله، فيجيء العقاب حاسما "خَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ"، هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال، وعن ابن عباس أنه قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة.
وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة وعجب واعتبار، فقال الذين كانوا يتمنون أن عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا "حقا إن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويوسع عليهم، أو يقبض ذلك، فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم".
أخطأ مالك وأصاب الشافعي
هذه القصة هي عن الأمام الإمام الشافعي رحمه الله، حيث إن الإمام الشافعي كان صغير السن وكان يتردد كثيرا على مجلس علم الإمام مالك، ولأنه صغير السن كان لا يستطيع أن يجلس في مجلس علم الامام مالك، فكان يلجأ إلي أن يسأل كل من يطلب الإمام مالك في فتوي عن الإجابة.
وفي مرة جاء رجل إلى الإمام مالك ليسأله في أمر، حيث أنه قال لزوجته "أنتي طالق إن لم تكوني أجمل من القمر"، فقال له الإمام مالك أنت قد طلقتها فما كان من الرجل إلا أن خرج حزينا.
فسأله الإمام الشافعي عن جواب فتواه وعندما علم الإمام الشافعي دخل إلى الإمام مالك وقال له "يا إمام الله سبحانه وتعالى يقول (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)"، فما كان من الإمام مالك إلا أن تراجع عن فتواه وقال "أخطأ مالك واصاب الشافعي"، ومن ذلك الحين صار يسمح للإمام الشافعي للدخول إلى مجلس الإمام مالك.