رواية "كل ما يعرفه بائع الكعك" لعلي نصار: عبء القراءة المرهق

 

   بيروت- في رواية علي نصار " كل ما يعرفه بائع الكعك" يجد القارئ نفسه بين شعورين.. الاول في بداية الرواية ممتع ويشبه

اضافة اعلان

توقع وعد بعمل جيد ومختلف عما سبقه عن الحرب الاهلية اللبنانية توحي به قدرة الكاتب على سرد حي وتصويري.

أما الآخر الذي يعقب البداية فيأخذ بالاطلال على القارئ مبكرا ويتسبب في عملية" تنفيس" للتوقعات والوعود ولنقل بخيبة أمل.. وخيبة الامل تكون قوية حين يسبقها أمل قوي.

وسبب هذا الشعور بخيبة الامل هو ان الرواية تمر في حالة " ردة " اذ تعود وتقع فيما جسدته روايات عديدة عن الحرب من تبسيط وتسطيح وما قد يلامس حدودا خطرة اذ يكاد يقع في عملية كتابة روائية لتاريخ بديل.. تاريخ مختلف عن التاريخ الحقيقي وان كان بنية طيبة.. ففي العمل الروائي لا تنفع النية الطيبة وحدها.

لنصار قدرة على القص وسرد التفاصيل بنجاح لكنه يغرق في التفاصيل غير المترابطة منطقيا وغير المبررة روائيا ويغرق القارئ معه. ومما يفاقم أمر هذا الغرق انه يقود الرواية في خط تنقصه غاية فنية أساسية تندمج فيها التفاصيل ليوحدها خط أساسي.

الرواية التي جاءت في 157 صفحة كبيرة القطع صدرت عن " دار الفرات للنشر والتوزيع " في بيروت.

تبدأ الرواية حية متحركة. تقول " لشهور ظل هذا الشارع مقفرا والسبب قناص لم يستثن الجرذان ولا القطط الى ان نجح أحمد في اصابته اصابة مباشرة نسفت الحمام الذي يتحصن فيه وأسكتته الى الابد. ومن يومها انقلب أحمد الى مهرج مجنون ليتحول المتراس الى مسرح لاستعراضاته. فما أن يحل الغروب حتى يصعد الى أعلى المتراس كاشفا نفسه للمنطقة الشرقية ثم يطلق العنان للسانه ولاصبعي يديه الوسطين في اشارات بذيئة متحديا خصومه".

وربما سيطر على القارئ لاحقا شعور بأن الرواية على رغم قدرة الكاتب انما تستلهم.. وربما دون وعي من الكاتب.. اعمالا روائية لبنانية اخرى عن الحرب فتتحول في بعض نواحيها الى استنساخ لسيئات تلك الرواية اكثر من استلهام واقع الحرب و قراءتها بجدية.

ان تصوير الحرب الاهلية اللبنانية واي حرب غيرها وكأنها من صنع حفنة من الصبيان او الاشرار او حتى القديسين امر لا ينطبق على واقع اي تاريخ او ينسجم مع حقائق الحياة نفسها.

تتحول الاحداث الى قصص لصوص صغار وقصص جنس واغتصاب ذكوري ومجانية في هذا المجال لا يبررها ان كتابا آخرين سبقوه الى ايرادها فتحولت الى نمط فني ضروري موهوم. وقد يقال تبريرا ان الرواية لا تتناول الحرب كحرب بل حياة شخص واحد او بضعة اشخاص. لكنها.. وعلى افتراض صحة هذا.. ومن خلاله تقع في ما وقعت به روايات اخرى من قراءة طفولية نوعا ما للحرب وأسبابها وأحداثها ولآلامها. و" أصل الحكاية ".. كما يقال.. فيه سذاجة واضحة بحجة وصف الفقر والمعاناة الاجتماعية على أساس انهما من اسباب الحروب والخروج على القانون وغير ذلك بهدف تحسين الوضع الاجتماعي.

هذا صحيح لكن تصويره هنا ليس مقنعا. الولد الجنوبي الفقير الذي يريد أن تتوقف أمه عن العمل القاسي لتعيله وتعيل جده بعد وفاة الوالد يتحول الى بائع كعك مع أترابه في مدينة صيدا ومن ثم تتحول المجموعة الى لصوص صغار يسرقون البيوت التي هجرت الحرب اصحابها ليتحولوا بعد فترة الى مقاتلين في الحرب في بيروت وليتحول البطل قائدا لمجموعات مقاتلين.

أما الام التي تشعر بالعار فتنتهي بالانتحار. وبعد صراعات واقتتال يهرب مع مجموعة مقاتلين الى المنطقة الشرقية حيث ترسله بعض ميليشياتها الى الشريط الذي كانت تحتله اسرائيل في جنوب لبنان ومن هناك يجعله الاسرائيليون يعمل لحسابهم ويصبح واحدا من العملاء المقنعين. ولا يلبث ان يعود الى بيروت مع قوات الاجتياح الاسرائيلية في العام 1982 ليتفقد جده وقد ترك ثروة لهذا الجد الذي تحول بعد تقى وورع الى قواد وصاحب ناد ليلي اشتراه بأموال الحفيد.

يستند الكاتب الى أحداث فعلية وقعت في الحرب وان كان أحيانا يعتورها بعض الخلل في مسيرتها. ويقع الكاتب احيانا في بعض اخطاء طبقة المثقفين حين تحاول تقمص شخصيات فقيرة محدودة العلم فتجعلها تتكلم بلغة أهل الفكر والثقافة وتورد على ألسنتها تعابير أبعد من دراساتها ومخزونها الثقافي.

ما يقوله نصار كثير كثير. ولانه كثير ولانه يتنقل في اجواء هذا الكثير المرهق فكأنه لا يقول شيئا. يشعر القارئ بأسف لأن ما بدا أن الكاتب وعده به لم يتحقق بل تحول الامر أحيانا الى عبء على القارئ لا لزوم له.. عبء أرهقه وأرهق الرواية.