روح الفريق أردنيا

لعل لنا في التجربة اليابانية مثالا، لدولة آمن شعبها بالعمل بروح الفريق مع شح في الموارد الطبيعية وشراسة التضاريس، وفوق كل ذلك معاناة حرب عالمية مدمرة، لتشكل اليوم قوة اقتصادية عالمية ضاربة يشار إليها بالبنان. وهذا هو عماد الدول المتقدمة، ونهج الحكومات الناجحة، وسلم المجتمعات الذكية. ويعتمد جوهره على تكاملية الأدوار، لا تشاحنها وبعثرة جهودها، وصولا إلى أهداف محددة زمنيا وواقعيا.اضافة اعلان
وينهض العمل بروح الفريق مع انضباط والتزام جميع الأطراف، تغليبا للصالح الكلي لا الفردي. وتكمن أروع الأمثلة عبر التاريخ في خدمة الأوطان، وتناغم أدوار مختلف من يتولى المسؤولية وصولا إلى تقديم المصلحة الوطنية على ما دون ذلك.
ولهذا جاء خطاب العرش السامي، في افتتاح أعمال الدورة غير العادية لمجلس الأمة التاسع عشر، ليؤكد هذا الأمر في قول جلالة الملك عبدالله الثاني: "واليوم، ينعقد مجلسكم، ودولتنا تستعد بكل ثقة للدخول في مئويتها الثانية، وهذا يضع الجميع، أعيان الأمة ونوابها، والحكومة، أمام مسؤولية العمل بروح الفريق، لتعزيز مسيرتنا الوطنية، خدمة لأبناء وبنات شعبنا وللأجيال القادمة".
إلا أن ترجمة التوجيه الملكي لا تتأتى إلا بالفعل والعمل على أرض الواقع تجسيدا لمبدأ الشراكة الحقيقية بين السلطات.
لقد عانينا، والأمثلة شاهدة، من استراتيجيات ومشاريع تعثرت وما تزال بسبب إخفاق من تولوا زمام الأمر في مواقع مختلفة عن العمل فريقا واحدا متجانسا متكاملا في الأداء والنتيجة. وهذا للأسف قدم في كثير من الأحيان صورة سيئة للمسؤول في ذهن المواطن، وما يتبعه من اهتزاز للثقة الشعبية. ولنا في الإخفاقات المتتالية والإشكالات التي رافقت جهود جذب الاستثمار عبر سنين وحتى الماضي القريب دروسا، فلو عمل جميع من أدار هذا الملف بروح الفريق، بعيدا عن التنافر، لكنا الآن في حال أفضل بكثير. وهذا يقودنا إلى أحاديث تدور هنا وهناك عن غياب الانسجام بين بعض المسؤولين، وتداعيات ذلك على العمل بروح الفريق، وعلى الصالح العام في المحصلة، وهذا ما لا نريده.
نحن لا نملك ترف الوقت ورغد الموارد، والكل يعلم صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي نمر بها في زمن كورونا، الذي أنهك اقتصادات دول العالم بأسره، فما بالك باقتصاد الأردن، الذي عانى، ما قبل الجائحة وما يزال، من صعوبات مالية جمة وعجز سنوي يتراكم في الموازنة ومديونية تتعاظم، مع شح في مصادر التمويل، داخلية كانت أم خارجية.
هذا وحده، وبمنطق العقل، يتطلب منا جميعا الإيمان، عقيدة وممارسة، بروح الفريق. فلا أحد يملك عصا موسى عليه السلام، ولا أحد يطلب المستحيل، لكن الأوطان واقتصاداتها لا تبنى إلا بسواعد أبنائها وبناتها، فريقا واحدا، لا أفرادا متخندقين في عقلية الأنا. لنعود لتجربة اليابان ونتعلم أن النهضة هي نهضة أمة ككل، لا نهضة أفراد وحسب.