زوجية مشتركة وذمم مستقلة

د. أحمد ياسين القرالة

القاعدة العامة في التشريع الإسلامي هي أن لكل شخص ذمة مالية مستقلة عن غيره، مهما كانت درجة القرابة بينهما أو قوة الصلة التي تجمعهما.اضافة اعلان
لا فرق في ذلك بين الأزواج وغيرهم، فذمة كل من الزوجين بالنسبة للزوج الآخر كذمة الأجنبي، فأموال الزوج للزوج وديونه عليه، وأموال الزوجة لها وديونها عليها، ولا يسأل أي منهما شرعاً ولا قانوناً عن ديون غيره والتزاماته المالية، وهو ما نصت عليه المادة (320) من قانون الأحوال الشخصية الأردني: لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن الآخر.
فللزوجة كما للزوج كامل الحرية في أن تنتفع بأموالها الخاصة وأن تتصرف فيها متى شاءت وكيفما شاءت دون إذن من أحد، وليس لزوجها أو لأبيها أو لأي كان أن يمنعها من التصرف أو أن يحجر عليها.
كما ليس له أن يأخذ من مالها أو أن يتصرف فيه دون إذنها وإرادتها؛ لقوله تعالى: " وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا"، وبناء عليه ليس للزوج من حق في مرتب الزوجة إن كانت عاملة، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً أو أن يتصرف فيه دون رغبتها ورضاها، بل من الواجب عليه أن يؤدي لها النفقة إذا كان عملها بموافقته ورضاه.
ويدخل في هذا الأمر مهر الزوجة المؤجل الذي ينظر إليه البعض على أنه عقوبة للزوج على طلاق زوجته؛ لذا تجده يمتنع عن تطليقها أو يحملها طلب الطلاق بسوء عشرته وبذاءة أخلاقه حتى تتنازل عن حقها في مؤجل مهرها، وهذا غير جائز ولا هو عمل أخلاقي؛ لقوله تعالى:" وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ " ولأن المهر المؤجل دين في ذمة الزوج كبقية ديونه وهو مقدم على حق الورثة في الميراث، لقوله تعالى:" مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ " فلا تركة إلا بعد سداد الديون كما تنص على ذلك القاعدة الشرعية.
وهذا الكلام ليس دعوة لامتناع الزوجات عن مساعدة أزواجهن أو تحريض لهن على التوقف عن المشاركة في نفقات الأسرة أو الإضراب عن تقديم كل ما فيه خير الأسرة وسعادتها، وإنما هو لتحديد الحقوق وبيان الواجبات التي أصبح الجهل بها سبباً للكثير من الظلم وأضحى التعسف في استعمالها علة للعديد من الخلافات الزوجية.
معظم الزوجات العاملات والمقتدرات مالياً يساهمن بقسط كبير من نفقات الأسرة ويعملن لرفاهيتها، ويتحملن جهوداً مضاعفة لخيرها، مما يوجب على الزوج أن يدرك أن هذه المساهمة ليست واجبة على الزوجة، وإنما هو تفضل منها وإحسان، ينبغي أن يقابل بالشكر والامتنان وبالوفاء ورد الجميل؛ لقوله تعالى"هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ" أو عدم تناسيه ونكرانه وذلك أضعف الإيمان.