زيارة موفاز


    ينشط الجانب الإسرائيلي هذه الأيام، وقبل السابع عشر من تموز موعد البدء بتنفيذ خطة شارون، في تكثيف الاتصالات مع العواصم العربية المهمة، بغية حث هذه الدول على استخدام ما لديها من نفوذ من أجل تسهيل عملية الإخلاء. وفي هذا السياق، جاءت زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، الى العقبة، والإلتقاء بجلالة الملك طالبا مساعدة الأردن في هذا الجهد.

اضافة اعلان

 وللجانبين العربي والفلسطيني مصلحة في أن يتم الانسحاب بالسرعة القصوى، ودون افتعال أحداث من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين لتأخير تنفيذ خطة الإخلاء. وهناك اعتقاد في الأردن بأن التراخي في الانسحاب، أو تدهور الوضع الأمني، قد يعطي قوة دفع كبيرة للمجموعات المعارضة لخطة الاخلاء. ويجب التحذير من ان تدهورا جديدا للوضع الأمني سيعرقل عملية الإخلاء التي وإن كانت في مصلحة إسرائيل، فهي وبدون شك مكسب فلسطيني كبير.
     ودون شك، أيضا، فإن مصلحة الأردن، شأن صناع القرار، تتطلب عودة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الى العملية السلمية.

ونتذكر أن الأردن لم يكن مرتاحا بتاتا لفكرة الانفصال عن غزة، خشية أن يكون ذلك الانسحاب الأخير الذي قد يقوض فرصة تنفيذ خطة خارطة الطريق التي ساهم الأردن في صياغتها. وقد جاءت زيارة موفاز سريعة ومباشرة، إذ أسمع الأردن ضيفه عما يأمله من وراء خطة الانسحاب الاسرائيلية من قطاع غزة.

   نكرر مرة أخرى بأن مصلحة الأردن الحيوية في الأمن والبقاء تتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيا وقابلة للحياة. ويشكل عدم التوصل الى مثل هذا الحل تهديدا كامنا للأمن الوطني الأردني. ولهذا السبب، نجد الأردنيين هم الأنشط على الساحة العربية؛ إذ ساهموا بشكل مباشر في إقناع الجانب الاميركي بضرورة صياغة مبادرة وتضمينها آليات تنفيذ، تمثلت لاحقا في خطة خارطة الطريق.

     فبالنسبة للحكومة الأردنية، فهي تعتبر الانسحاب من غزة بداية مرحلة انسحابات ستليها، بموجب خطة خارطة الطريق، والتي ستفضي بمجموعها الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي طال انتظارها. ومع الإقرار بأنه لا يمكن تصور أن الحزب الحاكم في إسرائيل لدية نية إعادة خطة الاخلاء في الضفة الغربية في العاجل القريب، إلا أن ذلك لا يمنع من التشديد على هذه النقطة بالذات، باعتبارها سابقة مهمة عندما يتعلق الامر بإخلاء أو تفكيك المستوطنات. ويعمل الأردن جاهدا على أن لا يكون الانسحاب من غزة هو الانسحاب الاخير. قد يكون هذا هو الانسحاب الأخير في عهد الحكومة الاسرائيلية الحالية، الا ان ذلك لا يعني عدم تكرار مثل هذا التمرين في المستقبل المنظور.

    أما النقطة الثانية التي كانت مدار بحث الجانبين، فهي قوات بدر الفلسطينية المقيمة في الأردن. فالسلطة الفلسطينية ترغب في استقدام هذه القوات من أجل المساعدة في حفظ النظام في غزة، ومن أجل قلب موازين القوى لصالح "فتح" في مقابل "حماس" في قطاع غزة. ومن المؤكد أن إرسال قوات بدر، المدربة تدريبا جيدا في الاردن، يساعد في رفع سوية الاجهزة الامنية الفلسطينية.

 والأردن لا يمانع أبدا من تلبية هذا المطلب الفلسطيني، الا ان الأمور بحاجة الى تفهّم وموافقة اسرائيلية على هذا الموضوع الذي يقلق الاسرائيليين. وبالتالي، فإن رفض الجانب الاسرائيلي لمثل هذا المسعى هو أمر متوقع، بخاصة في ظل وجود هاجس أمني كبير لدى السلطات الاسرائيليية المختصة.

     على أية حال، فمن الواضح إدراك الأردن لأهميته الاستراتيجية، والتي عليه توظيفها جيدا من أجل حماية مصالحه الحيوية التي تتأثر سلبا جراء استهتار إسرائيل بعملية السلام وبالمطالب العادلة للشعب الفلسطيني. كما وعلى الاردن توظيف معاهدة السلام من أجل مساعدة الفلسطينيين بالشكل الذي يصب في نهاية الأمر في جانب تحقيق المصلحة الوطنية الأردنية العليا.
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية-الجامعة الأردنية
[email protected]