سائق أم "شوفير"؟

أقف على رصيف التقاطع، أمد يدي لأوقف سيارة مكتب تاكسي صفراء، او رمادية، ليس مهما، فأنا أريد أن أصل إلى عملي في الوقت المحدد. السيارات الصفراء تمر محملة بالركاب. قليل منها تمر فارغة. يتوقف التاكسي، وقبل أن تمسك مقبض الباب لتندفع إلى المقعد، يسألك السائق بنبرة متذمرة: وين بدك؟
حسنا، تلتم على نفسك، وتجيبه، فيرد: لا أنا طريقي مش من هناك.
ألتفت إلى نفسي. ثمة صفعة تعرضت لها قبل ثوان من سائق لا يعرف أن تأخري عن عملي يعني خصما من راتبي، قد يصل إلى أكثر مما ستكلفني أجرة ركوبي معه. لا ضير، أدير خدي الأيسر لسائق تال، يتوقف وهكذا، إلى أن يرحمني الله بسائق طريقه في طريقي، وأركب معه، وكلي ثقة بأن السائق سيقدم خدمته لي على أكمل وجه.
أجلس بجانبه، بعد أن يظهر تذمره من الجو وارتفاع الأسعار، وقلة حياء الفتيات اللواتي يركبن معه، أو يراهن من خارج نافذته كل يوم، وقد تبرجن بما لا يمكن احتماله لشخص مثله أو لغيره. "الدنيا فسقت"، يقول، ومن نافذته أيضا يحدق في الفتيات اللواتي فسقن ويشتم تربيتهن.
يفتح مسجل سيارته، أو أي إذاعة محلية، ومن دون انتباه إلى الصوت و"خشخشة" الجهاز التي تصيب بالضجر، يستمر في الحديث معك، لا يدرك أنك قرفان، أو مستعجل أو مصاب برغبة في الصمت، لا يهم. المهم أن يتحدث حتى يفقدك وعيك. وأنت طبعا مضطر لاحتمال كل هذا الالم.
كل هذا ليس مهما أيضا، المهم أن تعيش هذه الدقائق مع رجل يتحدث في كل شيء ويعرف كل شيء ومستعد لشتم أي شيء، ويجب أن تلتزم حدود الألم، وتصغي وتهز رأسك، أو لا تهز، فأنت تريد أن تصل إلى عملك أو موعدك، وعليك موافقته على كل مقترحاته في مسار الطريق التي سيأخذك منها، وإذا قلت له أريد طريقا غيرها، فإنه يقلب "بوزه"، أو يبدأ باستعراض خبراته وفهمه لعمله أكثر من أي شخص آخر، وهو بذلك يقصدك.
ليس كل سائقي التاكسي على هذه الشاكلة، التي اجتزأت بعضا من تفاصيل علاقة الركاب بهم، لكن الغالبية العظمى على هذه الشاكلة.
والأنكى، أن بعضهم ممن يعترضون حياتك، يبدون وكأنهم من ذوي الأسبقيات، ولا يتورعون عن التبجح وهم خلف المقود، في الحديث عن أسبقياتهم، أو إيهامك بأن لهم أسبقيات، مع أن إدارة السير تقول إنها لا تمنح أي ذوي أسبقية رخصة قيادة تاكسي.
هذه العقلية "الشوفيرية" نسبة إلى "شوفير: سائق التاكسي"، وهي مفردة ذات طابع محمل بأكثر من معنى، قد لا تجدها إلا في الاردن. صحيح أن هناك ما يقترب منها في بلدان العالم، لكنها هنا تتجلى، وتغدو ظاهرة "الشوفير" أقرب ما تكون إلى ظاهرة "الأزعر" مع أن سائق التاكسي ليس أزعر. فهو تمثيل للمكان الذي يتحرك فيه، والمجتمع الذي يتعامل معه.
هذا حال عجيب؟ فهل يعقل ان يغدو أي مواطن أردني، إذا ما أصبح سائق تاكسي على هذه الشاكلة، أم أن آليات انتقاء سائقي التاكسي وطريقة امتهانهم لهذه الحرفة، هي المصيبة التي لم تزل معلقة ومن دون اي حل في عقل المسؤولين؟

اضافة اعلان

[email protected]