سجوننا حين تخرّج "حملة شهادة الدكتوراة"!

 

شهد مركز إصلاح وتأهيل جويدة، قبل أيام، سابقة غير معهودة في السجون الأردنية، تمثّلت بمناقشة أطروحة دكتوراة للطالب (النزيل) ثابت أبو الحاج، والمحكوم خمسة أعوام على خلفية الانتماء لتنظيم ذي صلة بحركة حماس، أُتهم برصد مواقع غير مسموح بها وتصويرها، مع اثنين آخرين من زملائه.

اضافة اعلان

بعيداً عن تفاصيل القضية وحيثياتها، فإنّ أبو الحاج أتمّ الإعداد للدكتوراة داخل السجن، وبتسهيلات من إدارة الأمن العام، وقد حضر المناقشون من كليتي الشريعة وقسم القانون في جامعة اليرموك إلى مركز الإصلاح، وناقشوا أطروحة الطالب بحضور ذويه، والتي جاءت أيضاً، بعنوان لافت: "العقل الإنساني في ضوء الآيات القرآنية والمواثيق الدولية".

فرق كبير جداً بين أن تخرّج مراكز الإصلاح والتأهيل متطرفين دينياً، تحولوا إلى أفراد ووقود في جماعات راديكالية خلال مرحلة السجن، من مهاجع إجرامية، أو أن تعزز السجون نزوع النزلاء نحو عالم الإجرام والجريمة والانحراف الأخلاقي والخروج على القانون، وبين أن تتحول هذه السجون لتخرّج حملة دكتوراة ومثقفين أسوياء نفسياً وذهنياً.

هذه السابقة تستحق الدراسة والتفكير مليّاً في أحوال مراكز الإصلاح والتأهيل، التي باتت في السنوات الأخيرة مصدر إزعاج وقلق لدى الحكومة من تقارير المؤسسات الدولية والمحلية في حقوق الإنسان، بالرغم من التحسن المشهود في تعامل المؤسسات الرسمية مع هذه المراكز.

ما هو أبعد من توصيات تقارير حقوق الإنسان، يكمن في تحول الدور الذي تؤديه هذه المراكز من محطة مفترضة لإعادة تأهيل الإنسان للحياة، بعد فترة السجن، إلى تخريج مجرمين ومتطرفين يتلقُّون مهارات إضافية في الانحراف داخل السجن، لغياب الرقابة القانونية والحقوقية ولضعف المرافق الصحية والثقافية وعدم توافر المرشدين النفسيين الذين يفترض ان يحددوا هم البيئة داخل السجن، بدلاً من الفوضى الحالية.

المطلوب، أن تُعمّم حالة أبو الحاج وتتمأسس داخل السجون، بالاهتمام بالجانب الثقافي والاجتماعي والنفسي والتربوي لدى النزلاء، سواء في إتاحة المجال للتعليم وتطوير المكتبات داخلها، وفتح مكاتب فاعلة للإرشاد الاجتماعي والديني والنفسي، ومنح بعض مؤسسات المجتمع المدني دوراً رقابياً حقيقياً، داخل السجون. هذا وذاك يقتضي تحسين البنية التحتية داخل هذه المراكز، وتدشين وتطوير المرافق الثقافية والرياضية، والفنية، وصولاً إلى خلق بيئة إصلاح نموذجية حقيقية.

الأمانة تقتضي الإقرار أنه بالرغم من استمرار حالات "التعذيب الروتيني"، داخل السجون، وفق شهادة تقارير حقوق الإنسان، فإنّ هنالك أفكاراً جديدة يتم تداولها لدى أصحاب القرار، وبعضها بدأ يأخذ طريقه إلى التنفيذ، كوجود أئمة ووعاظ في السجون، وتوفير شروط الخلوة الشرعية بين النزلاء وأزواجهم، ومكاتب لحقوق الإنسان تتلقى الشكاوى حول التعذيب داخل السجون.

إلاّ أنّ القفزة النوعية الحقيقية والتحول المهم والضروري المطلوب يتمثل بنقل الولاية القانونية والإدارية على السجون من الأجهزة الأمنية إلى وزارة العدل. وفي لقاء خاص، سابقاً، مع رئيس الوزراء أشار إلى توجه حقيقي لدى الحكومة للقيام بهذه الخطوة، وهو ما سيسجّل للرئيس في حال تم في عهده.

قد يعترض البعض أنّ المطلوب معاقبة المجرمين والمنحرفين لا توفير "بيئات نموذجية" لهم. وهذا اعتراض في غير محله، فتقييد حرية الإنسان داخل السجن، وإبعاده عن أهله ومجتمعه، هذا بحد ذاته أكبر عقوبة، لكن يقابله توفير البيئة الصحية لإعادة التأهيل والإصلاح النفسي والذهني، كي يعود النزيل إلى المجتمع فرداً صالحاً، يكون عامل استقرار لا حالة أمنية خطرة، كما حصل في خبرة السنوات السابقة.

[email protected]