
أنتوني الغُصين – (نيو لاينز) 19/6/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الناس في لبنان يكافحون مع تراكم الكوارث -وبشكل مأساوي، أصبحوا يحاولون التعامل على الأمور بأيديهم ويلجأون إلى المساعدة الذاتية.
* * *
مرحبا بكم في لبنان. هنا، يتجول المجرمون في الأنحاء في مواكب استعراضية، بينما يتسكع القادة والمواطنون متنقلين من مكان إلى آخر مثل المجرمين -الأولون يحتفون بمجدهم كبارونات للسرقة، والأخيرون عالقون في نظام سياسي منحرف يحتم عليهم الانخراط في مساعدة أنفسهم وأخذ أمورهم بأيديهم، أو الاستمرار بالمعاناة في صمت.
في الأسبوع قبل الماضي، استخدم بعض الناس القوة أو التهديد بالقوة لاستعادة ودائعهم المصرفية -مدفوعة نقدا، أو في مزيج من النقد والشيكات- حيث يكافح الجميع مع ما تسمى “ضوابط رأس المال غير الرسمية”، والأزمات المتفاقمة الأكثر عمقا. في وقت مبكر من ذلك الأسبوع، استخدمت امرأة مسدساً غير حقيقي لاستعادة الأموال وعلاج أقاربها المرضى.
وفي يوم الجمعة وحده، احتجز أشخاص خمسة بنوك على الأقل. وليست هذه هي المرة الأولى التي يأخذ فيها الناس في لبنان الأمور بأيديهم.
ولن تكون المرة الأخيرة أيضًا. ومن المرجح أن يؤدي تردد القادة اللبنانيين وتقاعسهم عن العمل إلى جعل الأمور السيئة أصلاً أكثر سوءاً.
وإليكم كيف وصلنا إلى هذه النقطة.
بعد عقود من الحرب، والاحتلال، والعداوات الفصائلية، بدأ اللبنانيون يعانون من الأزمات المتراكمة في العام 2019: المالية، والنقدية، والاقتصادية.
ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا يعيشون في الجنة بالضبط قبل ذلك، أخذ الناس في لبنان “يغوصون” أعمق في واحدة من أسوأ عشرة (وربما ثلاثة) انهيارات في العالم منذ القرن التاسع عشر.
في هذه الفترة، فقد أكثر من 500.000 لبناني وظائفهم أو أعمالهم التجارية بسرعة؛ وأصبح ما لا يقل عن 40 في المئة من اللبنانيين عاطلين عن العمل الآن.
ويكافح آخرون لكسب أجر كافٍ للعيش، في حين فقد الملايين مدخراتهم ورواتبهم ومزاياهم. وقد انزلقت العملة وانهارت، فقط لتنزلق وتنهار مرة أخرى. والآن، أصبح ما لا يقل عن 80 في المئة من اللبنانيين فقراء.
ويحتاج حوالي 90 في المئة من السوريين والفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان، بغض النظر عما إذا كانوا مسجلين وكيفية تصنيف الدولة اللبنانية والمنظمات الدولية لهم، إلى مساعدة (إضافية) للتعامل مع هذه الأزمات.
وكذلك الحال بالنسبة لمئات الآلاف من المهاجرين من آسيا وأفريقيا الذين عانوا أيضًا أثناء إقامتهم في لبنان.
على هذه الخلفية، كان الناس يساهمون فقط في تعميق الأزمات بينما يحاولون التأقلم. سيء؟ نعم. هل ثمة شيء مثل مخطط كبير أو غرض الخبيث أو إجرام المتأصل وراء ذلك؟ لا. ليس هؤلاء الناس، على الأقل.
مرة وأخرى أخذ الناس الأمور بأيديهم لأنه ليس لديهم خيارات أخرى -تماماً مثل الكثير من الأشخاص الذين لعبوا وفقًا للقواعد، مهما كانت مشوهة من حيث المبدأ ومنحرفة في الممارسة العملية.
وقد فعلوا ذلك سلميًا، كما حدث عندما احتجوا في بيروت وفي جميع أنحاء البلاد لعدة أشهر في أواخر العام 2019 وأوائل العام 2020. وفعلوه بالعنف، كما كان الحال عندما قاموا بأعمال شغب، أو أغلقوا الطرق، أو أحرقوا الإطارات أو هاجموا أصحاب الأعمال –من المصرفيين البارزين المتحصنين في القصور المسروقة، إلى أصحاب محطات الوقود في شمال لبنان، إلى أصحاب المتاجر في بيروت ووادي البقاع.
وقد فعلوا ذلك بشكل عفوي، أو على الأقل من دون توجيه سياسي، بينما يكافحون يومًا بعد يوم -كما حدث عندما صدمت امرأة سيارتها الرياضية بصيدلية.
وقد فعلوا ذلك أحياناً كأدوات لزعماء الفصائل الذين يبرعون جميعاً في بدء صراع، أو تصعيده، أو إدارته أو نشره حسبما يرونه ضروريًا أو مفيدًا -كما حدث عندما اشتبك مسلحون في خلدة، البلدة الواقعة في جنوب بيروت، في آب (أغسطس) 2020 وآب (أغسطس) 2021- أو تعاركو في مناوشات بيروت في تشرين الأول (أكتوبر) 2021.
والآن، أصبحوا يستخدمون القوة أو التهديد باستعمال القوة لاستعادة الودائع. هل هم لصوص؟ نعم، بمعنى ما. إنهم، بعد كل شيء، يأخذون الأموال من البنوك -والأهم من ذلك من أشخاص آخرين لديهم، مثلهم تمامًا، كمية متناقصة من المال لتلبية الاحتياجات المختلفة بمرور الوقت.
أم أنهم ضحايا حقًا، حتى لو انهم يتصرفون مثل –ويوصفون بأنهم- “حراس القانون”؟ نعم.
لماذا؟ بما أن لبنان هو لبنان، فإن السلطات تفهم سخافة الموقف الذي أصبحت هي والناس فيه -ونعم، على مستوى ما، الذي وضعت نفسها ووضعتنا نحن جميعا فيه.
وبوصولها إلى هذه المشاهد، حاولت احتواء الأزمات وسمحت للمصرفيين والصرافين وغيرهم بالتفاوض على تسويات على الفور -وبالتالي، على أحد المستويات، تشجيع الآخرين على محاولة اقتحام البنوك والحصول على مستحقاتهم، وبمعنى آخر، إثارة المزيد من اليأس بين أولئك الفاضلين جدًا أو المبدئيين أو المترددين أو الوديعين الذين لا يستطيعون التصرف لتحصيل حقوقهم بأيديهم.
وبطبيعة الحال، يحاول الجنود والشرطة أن ينحنوا بدل أن ينكسروا -كما هو الحال على الطريقة اللبنانية. إنهم يعرفون من يكونون، وكانوا، وسيظلون لفترة طويلة المحتالين الحقيقيين: أولئك الذين يحكمون الجمهورية ويسرقونها.
حسنا، إنهم يعيشون في أرض غير عادلة، يحكمها رجال أشداء يفضلون أن يُقتلوا أو يَقتلوا -أو أن يرسلوا الآخرين ليَقتلوا أو يموتوا، ويعذبوا ويهاجموا، ويرهبوا ويرغِّبوا- على السماح بتقويض مصادر نفوذهم، ناهيك عن دفع أنفسهم إلى خارج السلطة.
خذ على سبيل المثال انفجار بيروت: انفجار آب (أغسطس) 2020 الذي دمر معظم أنحاء المدينة.
كانت تلك كارثة فوق الأزمات، وإهانة فوق المعاناة، وإذلالاً فوق الجرائم. وباستثناء بعض المعتقلين الرمزيين، لم يذهب أي من القادة، أو الضباط، أو المسؤولين، أو المصرفيين اللبنانيين إلى السجن.
ولم يعاني أي منهم من أي عواقب يُعتد بها على أفعالهم. لا، لا. بدلاً من ذلك، وكما فعلوا بعد الجرائم السياسية وغيرها على مدى عقود، تمكنوا من تحييد القضاة والمحققين اللبنانيين الذين تتمثل جرائمهم العظيمة في امتلاك العقول والعزيمة – وكلاهما مشكلة بالنظر إلى أن هذه الأرض مليئة بالقادة الذين تتمثل مواهبهم العليا في التملق والجشع.
والناس يرتكبون جرائم، حسب النص الحرفي للقانون، بغض النظر عما يكون ما يفعلونه أو عن كيفية تنفيذه، في حالة من انعدام القانون من الأعلى.
وعلاوة على ذلك، يرتكب هؤلاء الأشخاص أعمالاً تضر بالآخرين وتعرضهم للخطر وتضر بهم.
كما أنهم، باستعادة أموالهم الخاصة بهذه الطريقة، يأخذون الأموال من حصة متناقصة من الموارد التي يحتاجها جميع الناس. فبغض النظر عن أي شيء، يتنافس الجميع مع الجميع. إلخ، إلخ.
لكنهم، كما ترون، وقعوا للتو في واحد آخر من تلك الفخاخ الكثيرة في لبنان: أخذ المرء أموره على عاتقه.
إذا جلس المواطنون بهدوء، أو فعلوا الأشياء حسب الكتاب، سواء كان كتابًا كتبته الدولة، أو الكنيسة، أو الفصيلة أو العشيرة، فإنهم يشاهدون الآخرين عندئذٍ وهم يسرقون، ويشربون ويلعبون بالأموال المسروقة.
إن وصف هؤلاء الأشخاص بالمجرمين هو، بطريقته الخاصة، عمل إجرامي. نعم، لقد كافح الكثير من الناس في صمت -مظهرين الكرامة وعزة النفس على مر السنين.
لم يلجأوا إلى هذا النوع من أخذ الأمور بأيديهم. ومع ذلك، تحول الجميع منذ فترة طويلة إلى أشكال أخرى من ذلك -غالبا لمعالجة المشاكل أو مواطن الضيق التي، إذا ما نُظر إليها في ضوء محاولة الناس علاج أو إطعام أسرهم، فإنها تكون، بصراحة، عديمة الأهمية.
الصورة الكبيرة: لن يكون الرد إلى الأبد على الظلم والإذلال المتسلسلَين والفاحشين هو الاحتجاج السلمي، أو الخلاف المهذب، أو صندوق الاقتراع الذي يتم التلاعب به.
وهذا درس مستقىً من ماضي لبنان نفسه، ناهيك عن خبرة الدول والمجتمعات المجاورة في العقود الأخيرة.
كما سبق وأن كتبتُ في مقال آخر، فإن القادة اللبنانيين لا يرحمون ولا يدعون غيرهم يرحمون، ولا يبتعدوا من الطريق ليجعلوا رحمة الله تحل.
إنهم لا يفعلون أي شيء من نوع ارتداء سراويلهم وتشكيل مجلس وزراء ببعض الكفاءة، ووضع خطة نصف مدروسة لما يسمى التعافي. ولا هم يسمحون لأحد بأن يعمل معهم، فيقبلون التوصيات -مهما كانت أيديولوجية، ومهما كانت محدودة في الفهم والرؤية، مهما يكن- من ممثلي المؤسسات الدولية أو الدول الأخرى.
ولا يخرجون من الطريق للسماح للآخرين –سواء كانوا من أنواع المؤسسات الأقل عدوانية أو الإصلاحيين الحقيقيين وما شابه– بإعطائها الفرصة للعمل من دون تدخل غير مبرر وشائن أو أشكال أكثر نشاطا وأكثر استبدادية من السيطرة.
تتربع النماذج النهائية للظلم على رأس النظام السياسي، كما فعلت طوال فترة الاستقلال الجديدة هذه، التي استمرت الآن لفترة أطول من كل من الحرب الأهلية اللبنانية والاحتلال المتزامن للقوات السورية والإسرائيلية.
وقد اغتال مهاجمون غير معروفين –دائماً غير معروفين- قادة وضباطاً ومسؤولين من اليسار واليمين والوسط. وسرق القادة والمصرفيون مليارات الدولارات أو أشرفوا على سرقتها.
وخلق الرؤساء أزمات دستورية متداخلة، ونوبات من الشلل السياسي والفراغات المؤسسية…
وهكذا. أما أن اللبنانيين يأخذون أمورهم بأيديهم، فإن ذلك لا ينبغي أن يصدم إلا الأبرياء، أو الأغبياء أو الوقحين -حتى لو، وبينما- قد يختلف العقلاء حول ما يمكن للناس -أو ما يجب عليهم- فعله بأنفسهم لأنفسهم في هذه الأيام.
ليس السطو على بنك شيئًا يدعو إلى البهجة -أو، على الأقل، الاحتفال الصاخب المتفاخر من دون التفكير في ما سيأتي بعد ذلك. بينما يرون ضباط الدولة وجنودها وشرطتها مشلولين في بعض الأحيان تحت وطأة النفاق والعبثية؛ ويرون القادة غير مبالين؛ ويرون المصرفيين متواطئين؛ ويرون المواطنين يقفون إلى جانبهم (إلى حد ما)، فإن المزيد من الناس سينخرطون في هذا الشكل المحدد من أشكال المساعدة الذاتية -مثل جميع أشكال المساعدة الذاتية الأخرى التي رأيناها في لبنان- مرة أخرى وأخرى في وقت قريب.
من المأسوي أن المصرفيين أغلقوا أعمالهم لمدة ثلاثة أيام. لكم هذا غير ذي صلة! كانوا يغلقون البنوك بشكل متكرر، عند كل مرة تنفجر فيها الاضطرابات، محاولين بذلك إبطاء انزلاقهم الخاص بخطوات تدريجية وأنصاف تدابير.
ولكَم هذا مهم! كما نرى، يحتاج الناس الوصول إلى أموالهم -الآن أكثر من أي وقت مضى. لكَم هذا غرائبي! بينما كان كل هذا يحدث، غاب القادة اللبنانيون عن جلسة برلمانية أخرى في نفس الأسبوع لتكريم شبح آخر -لم تتوحد الفصائل أبدًأ بهذا القدر إلا عندما تنخرط في عبادة ماضيها الدموي الكارثي.
مع وضع كل التفاصيل جانباً، تستمر القصة الحقيقية بلا توقف، بغض النظر عن مدى تراكم الأزمات في يوم أو أسبوع معين. وهنا، يستمر العاجزون والأبرياء في انتظار اللامبالين لفعل المستحيل. أهلًا. أهلاً وسهلاً بكم في لبنان.
*أنتوني الغصين: محرر مساهم في مجلة “خطوط جديدة” Newlines.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Bank ‘Robberies’ Are a Symptom of Deeper Crises in Lebanon
اقرأ المزيد في ترجمات