أفكار ومواقف

سقوط نجم

سقوط نجم إذا حدث، لا سمح الله، كارثة كبرى تحرق الأرض وما عليها.. هذا ما يؤكده علم الفلك. وفي الفن أيضا لا تقل الكارثة خطورة على الوعي؛ فسقوط النجم أحيانا يعني إحراق صورة جميلة نقية، ويعني ضرب رؤى وأفكار ومواقف (كان) يجسدها النجم في الدراما الجماهيرية.
رأينا ذلك ماثلاً في صورة الزعيم وأبطال مسلسله الذين ينادون بالحرية ويستصرخون رجال الشام وأهلها.. ويرددون أغنيات تنادي بالحرية والكرامة.. ذلك كان المشهد الأول.
اليوم، تسيطر مشاعر الحزن علينا ونحن نشاهد هؤلاء النجوم (الزائفين) يتنازلون عن رسالة الفن الحقيقية متمثلة بالتحامهم مع نبض الشارع وهموم الجماهير، ليستبدلوها برسالة النفاق والكذب والخداع.
أمجاد كاذبة أشبعونا بها، عبر سنوات خمس متتالية من عرض مسلسل “باب الحارة”، وجاء “الزعيم” ليكمل ما أفسده الدهر! والأدهى من ذلك أن الرسالة لم تصلهم بعد، بأنهم لم يعودوا يقنعوننا بأدائهم ولا بتمثيلهم الذي نجح، للأسف في فترات سابقة، في أن يخدع عقولنا.
نستغرب من هؤلاء الذين يشاهدون أبناء شعبهم، أطفالا ونساء وشبابا وشيوخا، يستشهدون على أرضهم في كل دقيقة دفاعا عن حريتهم وكرامتهم.. ومع ذلك يصرون على مواقفهم المخجلة تجاه بلدهم، وعلى لعب أدوار تتغنى بالوطن كذبا ونقلها للمشاهد الذي أصبح يعرف الحقيقة ولم يعد يقتنع بهم وبخداعهم، خصوصا في مرحلة بات يستطيع فيها الناس التمييز بين الكذب والحقيقة، وبين الغث والسمين.
شوقنا لمتابعة الدراما السورية خفت، ولم يعد بذات الوتيرة والحماسة التي كنا نعيشها بعد أن ذقنا حلاوة الربيع العربي.. قائمة العار ضمت أسماء نجوم سوريين كنا نحبهم ونحترمهم، لم نعد الآن نرغب بمشاهدتهم، لأنهم فقدوا مصداقيتهم ورصيدهم من قلوب المشاهدون، أو بالأحرى أصبحنا نفهمهم الآن ونضحك على كذبهم، وندرك جيدا استهتارهم برسالة الفن التي يفترض أن تتسم بالشرف والأخلاق والمبادئ العظيمة.. العبقرية والتميز والإبداع لم نعد نراها سوى وراء الكاميرات، لتختفي أمام مسرح الحياة الحقيقي. فالمهمة الوحيدة لهؤلاء الفنانين هي فقط “التمثيل” على أنفسهم، والإبداع في الانحياز لمصالحهم الشخصية والانتهازية على حساب تطلعات الملايين الذين اختبروا مرارة الاستبداد وألم الظلم وعانوا من تكميم الأفواه.
نلوم أنفسنا حينما كنا ننتظر في كل عام أعمالهم بفارغ الصبر، وهم يذكروننا بالشهامة والأمجاد والأخلاق الحميدة والقيم والإرادة، لكنهم حقيقة كانوا يكذبون ويضحكون على مشاعرنا، ويشبعوننا وطنية كاذبة تتغنى بالحب والثورة والغضب والفرح والحزن.
 ثمة “نجوم!” عرّتهم الثورة وكشفت مواقفهم جيدا، وهوت بسمعة فنهم إلى القاع، ومهما حاولوا تدارك ذلك الوضع من خلال المسلسلات التي يقدمونها، فإنهم بالتأكيد لن يكسبوا الرهان، ولن يستطيعوا خداع المشاهد أو استمالة مشاعره مرة أخرى.
وفي الوقت نفسه، هناك فنانون استطاعوا أن يكسبوا حب الجمهور واحترامه، فهم فعلا في أعلى قوائم الشرف، والمشاهد يبحث عن أعمالهم في القنوات الفضائية، إذ يكفي أنهم يؤمنون بالحرية والشرف والكرامة، وصوتهم قادر على أن يعلو ويصدح في أي حدث متعلق بقضية تخص بلادهم.
كنا ندعو الله في السنوات الماضية أن يحمي نجومنا.. وها نحن الآن ندعو الله أن يحمينا من النجوم.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock