
عزيزة علي
عمان- ضمن إصدارات “إربد العاصمة العربية للثقافة”، صدر كتاب بعنوان “أثر التخطيط الإستراتيجي الشمولي على التنمية السياحية المستدامة”، للباحث سلامة أحمد فياض.
يرى فياض، في مقدمته للكتاب “أن الكثير من دول العالم تعتمد على السياحة بوصفها مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي، فقد حققت نتائج كبيرة، وأسهمت في التنمية المستديمة في العديد من الدول، مثل إسبابنا وإيطاليا، وغيرهما؛ لما تتمتع به من تأثير واضح في اقتصاديات هذه الدول، ينعكس أثره على تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، وحل العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، فأصبحت السياة ترتبط بالتنمية الاقتصادية ارتباطا كبيرا، بعد أن كانت علما مجردا يدرس في الجامعات والمعاهد العلمية، فهي في الحقيقة تمثل إحدى الصادرات المهمة غير المنظورة”.
ويشير المؤلف إلى أن استمرار التطوير في السياحة يحقق مزايا عديدة، مما دعا دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء إلى الاهتمام بها والعمل على زيادة عائدتها، بوصفها وسيلة تمكنها من الارتقاء، كما تعد صناعة السياحة من أكبر الصناعات في العصر الحديث، ويفوق الناتج منها ناتج صناعات كبرى، مثل صناعة الصلب والسيارات والنسيج، وينفق المستهلكون في الدول المتقدمة على السفر والسياحة أكثر مما ينفقون على شؤون الحياة المختلفة من مأكل وملبس وغيرهما.
ويضيف فياض “تلعب السياحة دورا مهما في تحقيق التنمية الاقتصادية للدول؛ من خلال ما تحققه من مزايا وفوائد متعددة، تعود على المجتمع بواسطة الاستثمارات المختلفة الموجهة إلى القطاع السياحي، وتعتمد كثير على الدول السياحة مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي”.
ويبين المؤلف، أن السياحة تعد إحدى أهم الصناعات التصديرية التي تتمتع بمزايا وأنشطة التصدير نفسه، وفي الوقت ذاته تتجنب كثيرا من أعبائها؛ إذ إن المنتج السياحي يأتيه المستهلكون “السائحون”، لاستهلاكه في مكانه دون الحاجة إلى نقله، بعكس الصادرات الأخرى التي تنقل إلى المستهلكين على اختلاف أماكنهم، هذا إضافة إلى تجنبها كثيرا من أعباء التصدير مثل النقل والتأمين.
ويتحدث فياض عن أهمية التخطيط في هذا المجال؛ لما له من فوائد كبيرة لا تعود بالنفع والفائدة فقط على المجتمعات المحلية للدول السياحية، بل على مستوى الدولة، قائلا “يعد التخطيط من الأدوات العلمية والعملية الهادفة إلى خلق التنمية والتقدم للمجتمعات السياحية في جميع مناحي الحياة مثل (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وهو ضروري لتنسيق جميع الجهود، وحشد الطاقات المختلفة داخل المجتمع، واستثمارها بشكل فعال من أجل تحقيق التنمية والتقدم، عبر توجيه مكتسبات التنمية وتوزيعها بعدالة وتوازن بين جميع فئات المجتمع، وتتم عملية التخطيط بحصر جميع أنواع الموارد الطبيعية والبشرية والثقافة المتاحة، والإمكانات المتوفرة في الدولة، وتوجيهها لإشباع حاجات السكان الاستهلاكية والخدمية”.
ويقول المؤلف “من أجل تحقيق التنمية بشكل متوازن وعادل، تبرز أهمية اتباع الأسلوب التكاملي والشمولي في عملية التخطيط، التي تعتمد على دمج جميع أشكال التخطيط في إطار واحد لخدمة العملية التخطيطية الفاعلة، حيث يتمثل التخطيط القومي الشوملي في وضع خطة شاملة تتناول جميع قطاعات الاقتصاد القومي، الذي يشتمل على مشاريع القطاعين العام والخاص؛ لأن وضع القواعد التي يلتزم بها القطاع الخاص وتنسيقها مع استثمارات القطاع العام في إطار خطة موحدة شاملة، تهدف إلى إنعاش الاقتصاد القومي بأكمله”.
ويشير فياض إلى أن بعض الدول قطعت شوطا طويلا في عملية التخطيط السياحي الشمولي الهادف إلى خلق تنمية سياحية مستديمة في تلك البلدان، وقد ركزت تلك الخطط على المكونات السياحية في تلك الدول، والطلب على منتجهم السياحي، ووضعه في السوق العالمية، كما ركزت على برامج التدريب السياحي ومعايير الخدمة السياحية، وكذلك السياسات التنموية وإمكانية تطويرها من خلال خطة شمولية، ومن هذه الدول “أستراليا، وتنزانيا، وجزر المالديف.
وينوه المؤلف، إلى أن منظمة السياحة العالمية تأمل بأن يصل عدد السياح الوافدين في العام 2020، إلى 1.6 مليار سائح، وأن تبلغ الإيرادات الناتجة عن سياحتهم تريليوني دولار أميركي، كما يقدر حجم السياحة المحلية في كل بلدان العالم بعشرة أضعاف السياحة الدولية، وإن حجم السياحة الدولية والمحلية أصبح يتزايد وينمو في البلدان النامية؛ نظرا لقيام هذا البلدان بتنمية قطاعات السياحة لديها، جالية بذلك قدرا من الازدهار لتلك الدول.
ويرى فياض، أن بعض الدول العربية قطعت شوطا طويلا في عمليات التطوير والتنمية السياحة، وعلى مختلف الصعد، إذ أصبحت السياحة من أهم الموارد الاقتصادية لتلك البلدان، وأصبحت مساهماتها في الناتج المحلي الإجمالي، والدخل القومي الإجمالي، على درجة كبيرة من الأهمية، إضافة إلى مساهمتها في تحسين ميزان المدفوعات، وخلق فرص عمل جديدة وزيادة في الدخل الفردي.
وعن أهمية التخطيط، يوضح المؤلف، الذي يعد من أهم عناصر الإدارة، الذي يسهم في تحقيق الأهداف المنشودة للمنظمة أو المؤسسة ذات العلاقة، وهو عبارة عن أداة وإطار علمي وعملي من أجل اتخاذ القرارات المناسبة، وضمان استمرار خدمة وتنمية موارد المنظمة المختلفة.
ويتابع حديثه عن أهمية التخطيط، حيث يعد التخطيط “عملية مستمرة باستمرار الحياة، ويعد العمود الفقري لإدارة المنظمة؛ لذا تعد خطة المنظمة بمثابة خارطة الطريق التي يسترشد بها العاملون؛ لكونها تمكنهم من تحديد الأهداف المراد الوصول إليها، والكيفية التي ينجز فيها العمل بشكل منهجي منظم، وفي إطار زمني محدد، وبالتالي قياس مدى تحقيق هذه الأهداف، بناء على معايير محددة مسبقا، ومن هنا فإن غياب التخطيط لا يعني فقط العشوائية في الأداء، وإنما إهدار الموارد والطاقات الذي يؤدي إلى الانحراف عن الاتجاه السليم والمنهج الإداري الصحيح”.
ويواصل “التخطيط عملية ديناميكية، تقوم على تقديم تنبؤات علمية بما يراد الوصول إليه، لذا فإن التخطيط يقوم بمهمة تنظيم المصالح المتعارضة، كما يسهل حل النزاعات أو المشاكل قبل وقوعها، وإذا اعترفنا بطبيعة التخطيط القائمة على التجريب، فإن على المخططين التعديل على خططهم تبعا للظروف والحاجات المتغيرة، بشكل يمكن الفريق من العمل بكفاءة لتحقيق الأهداف المرسومة بطريقة مرضية، في حين يقوم التخطيط بجوهره على نخطوة أعلى ومتقدمة، تتمثل في استكشاف المستقبل، والمديرون الناجحون لا يقفون عادة عند التخطيط بمفهومه القائم على التنظيم والوصول إلى الأهداف المرسومة، وإنما يتعدون ذلك إلى استشراف المستقبل، فيضعون خططا تراعي جميع الاحتمالات التي يمكن أن تطرأ مستقبلا قبل حدوثها، ووضع حلول وإستراتيجيات بعيدة المدى”.
والكتاب جاء في خمسة فصول، يتناول الأول مفهوم التنمية السياحية وأهدافها ومراحلها، وآثارها الإيجابية والسلبية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما يناقش مفهوم التنمية المستديمة بشكل عام، والتعرف على عناصرها وأهدافها، وصولا إلى مفهوم التنمية السياحية المستديمة، علاقة السياح بالبيئة، مع توضيح الفرق بين التنمية السياحية التقليدية والتنمية السياحية المستديمة.
فيما يتناول الفصل الثاني التخطيط من حيث المفاهيم المختلفة وأنواعه، مع التركيز على التخطيط الاستراتيجي الذي سيعتمد عليه بشكل رئيسي في الدليل، لإعداد الإطار العام للخطة الإستراتيجية الشمولية القائمة على تحليل البيئة الخاصة بالمنطقة السياحية المستهدفة، وتحديد الشركاء في عملية التخطيط الهادفة إلى خلق تنمية سياحية مستديمة فيها، تساهم في تحقيق أهداف مختلف الشركاء، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويتناول الفصل الثالث مفهوم التخطيط السياحي ومراحل نشأته وتطوره، وعلاقته بالتنمية السياحية، وكذلك مراحل التخطيط السياحي وأساليبه ومنهجياته، والتخطيط السياحي الشمولي ومبادئه وشروطه وسبل نجاحه، والتوجهات التي من شأنها تحقيق الأهداف المستديمة؛ للوصول إلى تنمية سياحية مستديمة للمناطق المستهدفة على اختلاف أنواعها.
يناقش الفصل الرابع المنتج السياحي، فقد تناول المقومات السياحية وجانبي العرض والطلب على المنتج السياحي، وعناصر كل منهما وخصائصهما، كما ناقش السوق السياحية والاستثمار السياحي، والفرص الاستثمارية المتاحة في هذا القطاع، وتطرق كذلك إلى أهمية التسويق السياحي، والمزيج التسويقي السياحي وأهميته في الخطة الإستراتيجية الشمولية، كما تناول كذلك مساهمة صناعة السياحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
أما الفصل الخامس فهو بمثابة دليل عملي على تصميم نموذج الخطة الإستراتيجية الشمولية لتنمية سياحية مستديمة، إذ تناول كيفية إعداد السياسات العامة للإستراتيجية، وكيفية تحليل أدوات الدراسة وتحديد عناصر القوة والضعف، والفرص والمهددات للمنتج السياحي، اعتمادا على تحليل البيئية الداخلية والخارجية، ومن ثم تحديد الأولويات استنادا على النتائج العامة التي توصلت إليها الدراسة، من خلال ما جمع من معلومات ثانوية ورئيسية، كما وضحت آلية وضع الخطة التنفيذية وتقسيماتها إلى خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة في الأجل، كما حددت اللجان المشرفة على الإستراتيجية مع بيان المهم لكل واحد منها.