"سلام.. فريكة.. أرواح صغيرة": 3 أفلام أردنية تسجل حضورها بـ "الجونة السينمائي"

مشهد من فيلم “أرواح صغيرة” - (من المصدر)
مشهد من فيلم “أرواح صغيرة” - (من المصدر)

اسراء الردايدة

الجونة – مشاركة أردنية لافتة في الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي في مصر، إذ شاركت ثلاثة افلام تتنافس في مسابقتي الأفلام القصيرة والوثائقية الطويلة، من خلال مواضيع جديدة برؤى شبابية ومستمدة من الواقع والتي تتمثل بـ : “سلام”، “فريكة”، و”أرواح صغيرة”.اضافة اعلان
الأفلام الثلاثة تتناول في كل واحد منها قضية مختلفة، ففي “سلام” لمخرجته زين دريعي تحرر المرأة وانتقاد لسلطة المجتمع الذكورية، وفي “فريكة” لباسل غندور بعرضه العالمي الاول، يحكي عن العنف وثورته التي تولد بلحظة غضب وطيش وتترك نتيجة مأساوية، وفي “الأرواح الصغيرة” للمخرجة دينا ناصر، قصة لاجئة سورية وأحلامها بالوطن والمستقبل على مر سنوات، ويظهر التغيير في الفكر والتأقلم مع الحياة الجديدة.
وتمثل تلك الأعمال تطورا كبيرا في صناعة الفيلم الاردني، ونقطة تحول من خلال وجود هذا العدد في مكان واحد، علما أن فيلم “سلام” اختير لمنافسة في مسابقة “اورزينتي” بمهرجان البندقية الذي اختتم مؤخرا في أول عرض عالمي له، والأمر سيان بالنسية لفيلم “ارواح صغيرة”، حيث شارك بعدد من المهرجانات العالمية ايضا، بينما اختار صناع “فريكة” ان تكون الجونة انطلاقته.
وتلك الأفلام الثلاثة حصلت على منح من صندوق الأردن لدعم الأفلام - والذي تديره الهيئة الملكية للأفلام بهدف تمكين صناّع الأفلام من سرد قصصهم وتطوير إمكانات صناعة السينما المستقلة والمساهمة في استدامتها.
- “سلام”.. التحرر من القمع
فيلم “سلام” أو Give up the Ghost لمخرجته ومؤلفته زين دريعي الذي اختير للمشاركة في مسابقة آفاق (أورزينتي) للفيلم القصير في الدورة الـ76 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، نسوي بامتياز.
صانعته تهتم بقضايا المرأة وكيف ينظر المجتمع اليها، يرفض القمع واي سلطة ذكورية تنتقص من حقوقها وتغتال حريتها.
وهنا من خلال قصة سلام التي (قامت بدورها ماريا زريق الى جانب زياد بكري) تسلط الضوء على قرار مصيري تجد نفسها امامه بين الخضوع لسلطة اهل الزوج والمجتمع امام قضية حساسة شائكة “العقم” او المواجهة والبوح في الحقيقة برغم النتائج.
دراما اجتماعية في 15 دقيقة مررتها دريعي بأسلوب رشيق، الأحداث تدور في فصل الشتاء، زوجان شابان يرغبان في انجاب طفل لكن النتيجة السلبية لذلك تضعهما على المحك، فتحمل إثما لم تقترفه، وتقرر العائلة ان تختار له زوجة اخرى.
وبين التضحية باسم الحب واسكات طلبات الاهل وإلحاحهم او الخروج والحفاظ على كرامتها. تبقى النهاية مفتوحة، فيما التصوير في الشتاء يعكس ثقل العلاقة والبرود والقلق بين الزوجين والضغوطات التي تتعرض لها سلام.
وتسعى دريعي لإحداث تغيير من خلال صناعة الأفلام خاصة فيما يتعلق بالمرأة، والتي ينظر إليها من قبل الغرب، وحتى نظرة الرجل الشرقي لها والمرأة نفسها، في محاولة لتصبح صوتا لهن، وتسلط الضوء على قضاياهن.
وتقول دريعي، في حديثها مع “الغد”، إن “سلام” ولد من واقع حادثتين واقعيتين حفزتا فيها الرغبة في الحديث عن المعاناة التي تتعرض لها المرأة في المجتمع والظلم الواقع عليها، مبينة أن هنالك الكثير من النساء اللاتي يعشن ظروفا مماثلة، ويمارس فيها المجتمع ضغطا كبيرا عليهن، ويصبحن ضحاياه، ولكن في الوقت نفسه تريد من خلال فيلمها تحفيزهن على التحلي بالشجاعة والوقوف في وجه كل هذه الإهانات وأن يكون لديهن القدرة على اتخاذ القرار.
والقرار هنا، بحسب دريعي، يعني التغيير، مؤمنة بأن المرأة العربية قوية، ومثل هذه الأفلام ستكسر الصورة التقليدية التي حيكت حولها، وهي تعيش في ظلم وقهر، وشخصية مسكينة لا تقدر على إدارة حياتها أو تغيير واقعها، بل العكس. وتذهب دريعي إلى أن فيلمها ارتبط برغبة شديدة في الدفاع عما يعانين من الظلم، وعلى الرغم من أنه لم يكن مخططا له، لكنه مرتبط بشعورها بالغضب نتيجة غياب المساواة، وحركة مستمرة للدفاع عن تلك المواقف التي تكون فيها المرأة عاجزة عن الصراخ أو الدفاع عن نفسها، ليكون بمثابة نداء في الخروج من أي وضع يحط من كرامتهن ويمسها.
والفيلم من إنتاج شركة Tabi360 ( للمنتج علاء الأسعد)، وتتولى MAD Solutions مهام توزيع الفيلم في العالم العربي.
- “فريكة”.. العنف دون مبرر
العرض العالمي الأول للفيلم الذي كتبه وأخرجه باسل غندور وشارك في الانتاج رولا ناصر واخرون، في17 دقيقة، يتناول العنف وتصاعده من خلال أحداث عادية في حارة شعبية.
غندور يغوص في الحارات الشعبية الأردنية، خاصة تلك التي تشهد مشاجرات وعنف مستمر لأسباب غير مبررة بسبب ما يمارسة البعض من سلوكيات تتمحور حول الفتوة والعصابات التي أدت لتخرب حياة العشرات ومن وحي قصة حقيقية ايضا.
والقصة تدور حول رامي، مراهق يستمتع بزلاجته، وأوراق اللعب، والسجائر القليلة التي يدخنها برفقة أصدقائه. يعيش رامي في حي متواضع، حيث يتم خلط مفاهيم الرجولة بالعنف طوال الوقت.
وفي أحد الأيام، وفي حادثة ممازحة مع اصدقائه تؤخذ كلماته كإهانة موجهة لواحد من أفراد عصابات الحي، مما يوتر الأجواء، ويصعد العنف تدريجيا في تلال وأزقة عمان الشعبية، حيث يظهر الغضب وغياب السلامة وتولد الانتقام.
المنتجة الأردنية رولا ناصر، بينت لـ “الغد” ان خيار المخرج جاء في محاولة التقاط ما يدور في الاحياء الشعبية بعد ان سمع وشهد قصة حقيقية أدت لإصابة احد الشبان اصابة بالغة بسبب موقف بسيط لا يستدعي العنف ابدا.
واختير طاقم فيلم غير محترف من ابناء الحي نفسه، لمنحه واقعية اكبر، حيث تم اخضاعهم لتدريب مكثف على مدار اسبوع تقريبا لكن اداءهم لم يكن بالمستوى المطلوب.
غير ان التصوير كان الجزء الأفضل في الفيلم، فاستخدمت الظلال الرمادية التي تعكس واقع الحكاية هناك، وسط مشاهد القمم الخرسانية المتناثرة هنا، والاشجار المتفرقة للسرو والصنوبر.
وكان للونين الازرق السماوي وظلاله دور حيوي في عكس الكثافة السكانية هناك والانفتاح على الكل من خلال المباني المتلاصقة المتناثرة بشكل عشوائي، والتي تغتال خصوصية الأفراد، والمحصلة غياب الشعور بالارتياج وكثافة تولد شعورا بالاختناق.
وبينت ناصر ان “فريكة” قد يصدم البعض بما يحتويه، لكنه واقعي صادم خاصة ان العنف الذي يقع احيانا من خلال الشجارات في تلك المناطق يتصاعد بسبب بسيط ولا يجد من يوقفه، ويخلف غالبا وراءه ضحايا.
- “أرواح صغيرة”.. الحرب في عيون الأطفال
المخرجة دينا ناصر في فيلمها الوثائقي الأول “ارواح صغيرة”، تغوص في واقع حياة اللاجئين السوريين من خلال تتبع حياة طفلة صغيرة، فتصبح الكاميرا صديقة لها. وترى الحرب في عيون الأطفال ليس بالأمر السهل، خاصة وهم يتحدثون عن آلامهم، وفي الوقت ذاته تشعر بحنينهم وتوقهم لملجأ آمن.
قصص تروى من أفواه الأطفال لا تخلو من الأمل والألم معا، تقرب المشاهد من حياة عالم الأطفال في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، يقفون بثقة أمام الكاميرا التي حملتها المخرجة في رحلة إنسانية وجدت طريقها للشاشة.
في “أرواح صغيرة” تتبع ناصر على مدى أربع سنوات ما مرت به، “مروة” ابنة التسعة أعوام وأفراد عائلتها الذين هربوا من سورية للأردن، ظنوا أنهم سيقضون فترة قصيرة في المخيم، لكن الوقت يطول على مروة وأشقائها؛ إذ يصبحون أصدقاء للكاميرا وهم يكبرون، ويتكيفون مع عالمهم الجديد حتى تدخل الصغيرة مرحلة عمرية جديدة، وهي سن المراهقة فتتغير شيئا فشيئا، ويواجهون معا صداما يهدد مصيرهم.
وفي الفيلم تظهر مروة وشقيقاها آية ومحمود، بوجوه باسمة، أقوياء كأقرانهم في أي مكان، لكنهم هنا محاصرون بين خيم بلاسيتيكية وسط ظروف معيشية صعبة، خصوصا أيام الشتاء القارس، لكنه ليس بفيلم يستعطف المشاهد بل يفيض بالأمل لقوة هؤلاء الأطفال وطاقاتهم التي ظهرت بتفهمهم ونضوجهم مع ما يعايشونه.
تظهر العزيمة والشجاعة من خلال حركتهم المستمرة أمام الكاميرا التي باتت رفيقا لهم، وهم يتحدثون عما حصل لهم ببراءة وعفوية، بعيدا عن أسلوب الاستجواب الذي يكون عادة في مثل هذا النوع من الأفلام الوثائقية، ليغدو أشبه بسيرة ذاتية لمروة وعائلاتها، كما أنه يلتقط قصصا من حولهم بتفاصيل حياتهم اليومية ومحاولاتهم للبدء من جديد.
ولد الفيلم، بحسب تصريحات ناصر لـ”الغد”، من خلال فضولها لفهم ما حصل للاجئين في سورية، ومحاولة لتجميع مساعدات من أجلهم والاستماع لقصصهم، لقناعتها بدورها وواجبها في إيجاد حل لتسهيل ظروفهم المعيشية الجيدة.
نهج ناصر لتوثيق قصتها اقتصر على عدد قليل من الأسئلة في المقابلات الرسمية للأطفال، ما خلق علاقة دافئة وعميقة بينها وبينهم، فكانوا يتحركون بسهولة ويرقصون ويلعبون، وفي أصعب اللحظات التي لم تخل من الصدمة، لم يخفوا خوفهم والرعب الذي عاشوه.
فيما الحيوية خلقت انطباعا قويا في “أرواح صغيرة”، فهي مليئة بالإثارة التي ارتسمت على وجوه الأطفال، خاصة من خلال اللقطات القريبة، وهم يتحدثون بشكل عرضي عن تجربتهم، بدءا من الوفيات ووصولا للحظة احتراق منزلهم في سورية.
ويصفون مخيم اللاجئين بأنه “جنة”، على الرغم مما يعيشونه في خيم ضيقة وعائلة كبيرة، يتوجب عليهم حمل الطعام والماء عبر طريق طويل.
وبدا جليا ان ناصر أرادت من فيلمها فهم التجربة التي يمر بها اللاجئون “كتجربة عالمية” تختلف عن تلك الأفلام التي صورت تجاربهم من جانب صعب وحزين، مبتعدة عن أي تعليق سياسي، وإشارة للحرب بطريقة مباشرة وأطرافها المعروفة.
خاصت التجربة من خلال شهادات من أفراد عاديين أكثر براءة. ونقل هذه الصورة كان مقصودا كي لا تثير استعطافا وشفقة، خاصة أن شخصياتهم تتسم بالقوة، لتترك للمشاهد مساحة كافية للمشاعر التي يتلقاها من هذا العمل، متجنبة أي رؤية شخصية من جانبها، ومشاهد الألم.

مشهد من فيلم فريكة- (ارشيفية)
مشهد من فيلم “سلام” - (من المصدر)