رأي في حياتنا

سنة خامسة ثورة

لا تعتني يا صديقتي كثيراً باختيار ثيابكِ، المظاهرة ستكونُ صاخبة ومتعدّدة المنافذ، وستمشي تحت سماء من الرايات الملونة، والأجواء غائمة تماماً والمطر حتماً سيختلط بعوادم السيّارات وحِبْر رخيص، وهناك أنباء مؤكدة عن تدخُّل عنيفٍ تُحضِّرُ له قوات مكافحة الشغب إنْ تجاوز المسيرُ الحدودَ غير المعلنة التي اتفق عليها الرفيق “الأمين العام” و”معالي الوزير” في مكالمة هاتفية جرت في ساعات الليل الأخيرة على خطوط “الصالح العام”.
“تي شيرت” أحمر، أحمر فاقع، وصورة سوداء لـ”غيفارا”، و”جينز” باهت اللون، هذا كلُّ ما تحتاجينه في الذكرى الخامسة للثورة، ولبدء مبكِّر لفصل “الربيع”، لا تعتني أيضاً بشعركِ، ولا تتركيه طويلاً مثل موّال عراقيٍّ على ضفاف الفرات، ربّما لا يجد العسكريُّ سوى ضفيرة خروبيّة يشدكِ منها، وعندها ستصبحين فرجة متاحة على “يوتيوب” لخمسة أعوام أخرى، أما لقبكِ بـ”أيقونة الثورة” فلن يصمدَ حتى أول “تصحيح”!
لا تسرفي باستعمال “ارحل”، أو “غورْ” أو “حِلْ عنّا”، ولا تعتبري أنَّ خروجَ رجلٍ أمني كبير على التلفاز ليقرأ بياناً مقتضباً ووراءه رجلٌ أبله، ثمّ يعلن بنحو خاطئ خطاب التنحي، هو نهاية كلّ شيءٍ، لا تتعجّلي أيضاً برفع شارة النصر، لقد “شاهدنا هذا الفيلم من قبل”، وخرجنا من دار للسينما إلى أخرى، وهكذا كرّت المدن والعواصم، واعتقدنا أنّ السيناريو واحد، والنهاية واحدة، والاختلاف قد يحدث باسم “الميدان”، رغم اتفاق العواصم على “التحرير”!
لكن تعرفين ما الذي جرى فيما بعد، ففي شوارع صنعاء لكِ اسمٌ عربيٌّ للنداء يُكتب في السجلات الجديدة بالفارسيّة، وفي “بغداد” كلُّ اللافتات الزرقاء تقودُ إلى “طهران” و”قم”، ودمشق التي كانت أقدم عاصمة، أصبحت أحدث حي سكني في موسكو، وطرابلس أطلقت لحيتَها، وثوبها قصير ولا يشي بالإيمان. لا تنكري، يا صديقتي، أنّنا بالغنا بـ”الحلم الثوريّ”، وكان هذا خطأ مكرراً في كلِّ العواصم، ولوحظَ في كلِّ “فيلم”، أنّ الدور المحدود أسنِدَ لنا جميعاً، في لقطة جامعة حول “الميدان”.
سنة خامسة ثورة، ويافطات سوادها خفيف استدعيت من مستودع الحزب الأحمر، وظهور مباشر عبر “سكايب” من الحدود التركيّة، وموت كثير، ومَذلّة في الأرياف، وحزب يُنسبُ كذباً إلى الله يقفُ جنوده عند ناصية المدن لبيع القمح للهياكل العظميّة، و”دمشق” دوائر محدودة وراء متاريس عالية، ولمحافظ موسكو قطعة كبيرة من “الشام”، ولمحافظ طهران عقارات حكومية وشوارع قيد الشقّ، ولحسن نصر الله “مقامات صغيرة”، أما “الرئيس” فهو مختار محدود الصلاحيّات في حيِّ المهاجرين، يختم أوراقاً بلا شأن لنقل “الطابو”، ويصادق بختم بلا هيبة على مرسوم لتنظيم عمليات الطهور!
لا تعدّي يا صديقتي السنوات، لا تعطيها أرقاماً، وتسميها كما يطلقُ الجنرالات على الحروب أسماء تخلع القلوب. لكِ قلبٌ طيِّبٌ مثل تفاحة في كفِّ لاجئ، ولكِ “رفاق” سابقون، خرجوا أيضاً تحت سمائنا، وارتدوا “تي شيرت” بالأحمر، بالأحمر الفاقع، وصورة بالأسود لـ”أبو علي بوتين”، وهو زعيم روسي لو عصبتِ عينه اليمنى ستشاهدين بالألوان “موشي دايان”. هكذا يحتفل اليساريون من الأطفال بالذكرى الخامسة، فلا تعتني بترقيم السنوات، هذه الحرب ستطولُ يا صديقتي، حتى يعقد مجلس الشعب السوري جلسة لـ”تكييف” الدستور تحت سنِّ العشرين، ويُبعثُ من البعث الجديد “حافظ الأسد”!

تعليق واحد

  1. والثورة المصرية؟
    جميل جدا ورائع جدا وماذا بعد.؟ لكن ما هو موقفك من الثورة المصرية ولماذا لم تتطرق الى مصيرها، أم هي ازدواجية معايير؟ طبعا بحكم قراءاتي المتباعدة لك اعرف رايك فيها، فقط اردت ان اذكرك ان المقال ناقص بدون الحديث عن ما جرى من قتل للثورة الام، المصرية

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock