"سورية بشار": رؤية إسرائيلية

 صدر مؤخرا باللغة العبرية وترجم إلى العربية كتاب "باسم الأب: بشار الأسد في السنوات الأولى للحكم" من تأليف أيال زيسر، وكان صدوره بالعبرية لباحث يكتب عادة بالانجليزية لافتا للاهتمام، وربما يكون ذلك أنه تقدير موقف موجه للرأي العام وصانع القرار الإسرائيلي.

اضافة اعلان

ويلاحظ زيسر أن حكم بشار الأسد في سنواته الأولى يواصل سياسات أبيه، وأنه ما زال محاطا بالحرس القديم، ولم يبلور لنفسه أهدافاً ورؤى وجدول أعمال خاص به، ولذلك لن يكون هناك تغيير حقيقي في طريقة إدارته، أو في الخطوط العامة للسياسة السورية في جميع المجالات.

يقول المؤلف، وهذا ما أيده أيضا عبد الحليم خدام بعد هجرته إلى فرنسا، إن القراءة الواقعية والذكية التي تميز بها النظام السياسي في سورية في السبعينيات والثمانينيات فقدت بريقها في التسعينيات لسبب بسيط وواضح برأيه وهو أن النظام السياسي السوري لم يعمل على تجديد أي شيء أو استيعاب ما يحدث في العالم، وكذلك الأمر بالنسبة للنخبة الحاكمة التي بقيت في غالبيتها دون تغيير منذ أواسط الثمانينيات، وأصبحت وجهات نظر النظام السوري خارجة عن سياق العالم.

كان مجيء بشار الأسد يقدم فرصة وأملا للخروج من المأزق، وتم التركيز على جهوده لإدخال التحديث والانفتاح إلى سورية، وتطوير المعرفة لاستخدام الكمبيوتر، وقدم على أنه نظيف اليد، يصغي إلى تطلعات الجمهور المطالبة بخوض نضال دون هوادة ضد الفساد.

وخلال الشهور الأولى من حكمه دفع أفكاره بمساعدة الإصلاحات مع محاولة الالتفاف على الصدام بين المعسكرين، وامتنع عن الوقوف بشكل واضح إلى جانب أحدهم، ولم يقدم تصورا شاملا للطريق الذي يريد وضع سورية عليه، وأراد تطبيق سلسلة من الإجراءات التقنية في جوهرها تهدف إلى تطوير ما هو قائم.

وبدأ معسكر الإصلاح يشق طريقه، وبدأت عشرات المنتديات السياسية والثقافية تمارس نشاطها وكذلك المفكرون، وبدأ تقديم العرائض المطالبة بالإصلاحات السياسية، فأراد بشار أن يستفيد من الانفتاح السياسي إلا أنه فقد السيطرة على مجرياته فشكل النظام هجوما مضادا، حين أصبح عهد حافظ جزءا من التاريخ.

كانت جماعات المنادين بالإصلاح منقسمة ومتشعبة، وواجهت صعوبة في التوصل إلى تطابق حول جدول الأعمال الذي طالبت به، وجاء أعضاؤها من خلفيات مختلفة، فبعضهم كان من رجال الأعمال المعنيين بتطبيق الديمقراطية الغربية ونظام الاقتصاد الحر الذي كان سيخدم طبقتهم اقتصاديا وسياسيا، والبعض ينتمون إلى معسكر اليسار وهم ذوو ماض ماركسي منقطعون عن الواقع السوري، لكن نهاية الطريق لن تكون تجسيدا لرؤية الإصلاحيين، أي تحويل سورية إلى دولة ديمقراطية على النمط الغربي، بل ربما تتجسد نبوءة الأوساط الإسلامية المتوقع أن تزداد حدتها في المستقبل القريب.

ولكن غياب الرؤية الشاملة لموقع سورية ودورها على الصعيدين الإقليمي والدولي أدى إلى استدراجها إلى سياسة متطرفة ومتناقضة أضرت بشبكة علاقاتها الخارجية. واستمرت الولايات المتحدة الأميركية في خط متشدد ضد سورية، وفي العام 2003 تمت الموافقة على قانون محاسبة سورية بأغلبية ساحقة وفي نفس العام وقع عليه بوش.

وتبنت سورية موقفا يرفض الخطوات الأميركية في هجومها على العراق، لكنها تحت الضغط أغلقت حدودها مع العراق وقامت بتسليم مسؤولين كبار في النظام العراقي هربوا إلى أراضيها للولايات المتحدة. ولكن سورية عادت إلى موضع التهمة بتورطها في لبنان برغم انسحابها منه، وبخاصة بعد اغتيال الرئيس الحريري وسياسيين وإعلاميين آخرين.

إن السياسة السورية لمواجهة الموقف تبدو قائمة على التحالف الاستراتيجي مع إيران ومواصلة الرهان على روسيا، ومواصلة الصبر والانتظار، فقد كان الغزو العراقي للكويت فرصة عظيمة أنقذت سورية وأخرجتها من التركة السوفييتية التي كانت الولايات المتحدة تتطلع لتصفيتها، ولكنها عادت بسرعة لتجد نفسها في حالة عداء وحصار، وكانت الإدارة السورية تظن أن ورطة الولايات المتحدة الأميركية في العراق ستجعلها في حاجة لسورية، ولكنها قراءة ثبت بسرعة أنها خاطئة.

القراءة العفوية والمباشرة للأزمة السورية تبدو في إطلاق الحريات على أوسع نطاق وإجراء مصالحة شاملة مع الشعب والمجتمع السوري، ولكنها قراءة تبدو غير مكتشفة حتى اليوم في سورية.

[email protected]