ضيوف الغد

سيادة القانون أم سيادة الحق؟

د. نهلا عبد القادر المومني

يعتبر مبدأ سيادة القانون مبدأ حقوقيا بامتياز، لاتصاله بالمبادئ والمعايير الدستورية التي تمثل التعبير الأسمى لإرادة الأمة وسيادتها باعتبارها نتيجة طبيعية لمساهمتهم في إنشاء الكيانات السياسية المنظمة (الدول). ويعتبر هذا المبدأ الضامن الأساس للحقوق والحريات، والأداة المثلى لتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمانة لحقوق الأفراد وحرياتهم، واختزل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا المعنى عندما نص في ديباجته على أنه «من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم». واعتبرته الأمم المتحدة أحد مقاصدها باعتباره الضامن للسلم العالمي.
شهد الأسبوع المنصرم إقامة فعاليتين يشار إليهما بالبنان حول سيادة القانون؛ أولهما: مؤتمر بعنوان «احترام سيادة القانون ضمانة أساسية للعدالة والمساواة والتنمية»، بتنظيم جمعية معهد تضامن النساء. وثانيهما: ورشة تدريبية بعنوان «سيادة القانون… ضمانتنا»، بتنظيم مركز العالم العربي للتنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة (Street Law) الأميركية، ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية.
سلط المؤتمر الأول الضوء على مفهوم سيادة القانون المراعي للنوع الاجتماعي (الجندر)، وخلال تقديمي أحد محاور جلساته، والتي كانت بعنوان «مفهوم سيادة القانون من منظور النوع الاجتماعي في إطار التشريعات الوطنية والمعاهدات والمواثيق الدولية». طرحت عدة تساؤلات حول واقع تطبيق مبدأ سيادة القانون بمكوناته جميعها في الأردن، وأبرزها: هل يراعي مبدأ الشرعية بأن تحترم النصوص القانونية مبدأ التدرج التشريعي انطلاقا من قاعدة السمو الشكلي والموضوعي للدستور؟ وهل يراعي الدستور الأردني النوع الإجتماعي بوضوح؟ وكيف تصاغ القوانين التي تحكم حياة الأفراد؟ وهل يتم وضع متطلبات النوع الاجتماعي منذ لحظة ولادة القانون أو حتى قبل ذلك؟ هل هناك ضمانات قانونية حقيقية ضد التعسف في استخدام السلطة ؟ ومدى مشروعية المنظومة القانونية الوطنية وانسجامها والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومدى سلامة ترجمة مبدأ الفصل بين السلطات على صعيد التشريعات والسياسات والممارسات، وهل أمسى التشريع من حيث المضمون والصياغة على حد سواء معبرا عن إرادة الشعب في ضوء تحولات اليوم؟.
أما الورشة التدريبية الأخرى، فكانت تهدف إلى وضع مبدأ سيادة القانون في اطار عملي تطبيقي من شأنه إكساب المشاركين القدرة المعرفية حول ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز مبدأ سيادة القانون، وإكسابهم مهارة التعليم التفاعلي وصولا إلى فهم عميق وعملي لهذا المبدأ؛ وذلك انطلاقا من أن إشكالية سيادة القانون في الأردن تكمن في ترجمة هذا المفهوم وتطبيقه على أرض الواقع، فسيادة القانون ليست أمرا تشريعيا محضا وإنما مفهوم ثقافي وتطبيقي. ومن اللافت خلال هذه الورشة تنوع المرجعيات الوظيفية للفئة المستهدفة والتي تضمنت أساتذة جامعات، ومعلمين في وزارة التربية والتعليم، ونشطاء حقوقيين.
إن مفهوم سيادة القانون المجرد وحده لا يسهم في بناء مجتمعات ديمقراطية ما لم يقترن ويجسد مفهوم الحقوق التي ينظمها، ويسهم أيضا بضمان تمتع الأفراد بها وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حتى يبلغ الفرد شعورا نفسيا عميقا يكتسبه من التعاملات اليومية مع المؤسسات العامة أو مع الأفراد أنفسهم بأن القانون بمختلف فروعه يعتبر الضمانة الأسمى للحقوق ما يولد لديهم شعورا بالمسؤولية التضامنية لتطبيقه وإرساء دعائمه.

[jetpack-related-posts][/jetpack-related-posts]
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock