سيادة القانون تربية قيمية وأخلاقية

الدكتور محمد صايل الزيود *

إنَّ المتابع لتاريخ ومسيرة الأردن خلال المائة عام التي مضت من عمره، يجد بلا شك أن هذه المسيرة عاشت وتعيش مخاضًا عسيرا؛ لمواجهتها تحديات وظروفا غاية في التعقيد، جلها ارتبط بظروف خارجية فرضت نفسها على الدولة، وحدَّت من قدرتها على السَّير في طريق التقدم الذي سارت عليه الكثير من دول المنطقة والعالم.
ورغم قهرية الظروف إلا أن هذا الوطن يستند إلى إرث تاريخي وحضاري وإنساني جعله يواجه التحديات بكل عزيمة واصرار، وبنظرة فاحصة للمئوية الأولى نجد أن جهودا عظيمة بُذِلت؛ لتكريس سيادة القانون وفرض هيبة الدولة التي واجهت فئة تعتقد أنها فوق القانون من خلال تنمرها ومخالفتها لأبسط القوانين التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، وتضمن لهما الأمن والاستقرار والعيش الكريم.
إن تكريس سيادة القانون غاية لها أدواتها ووسائلها، وليست إجراءات يتم فرضها من وقت لآخر وخلال ظروف متنوعة منها الاستثنائي او المرحلي، لذلك إننا في الاردن نراوح نفس المكان في سيادة القانون ولم نتبع الخطوات التي يجب ان تُتبع لتكريس هذه السيادة وفرض هيبة الدولة، ولعلَّ أبرز خطوة يجب أنَّ نلتفت إليها لضمان سيادة الدولة وضمان أمن المجتمع، وبالتالي الاستقرار والازدهار بكل صوره وأشكاله هي أن نُربي أبناء المجتمع على سيادة القانون واحترام النظام العام، وهذا ما سارت عليه دول العالم جميعها سواء في الاقليم أو العالمية والمتقدمة منها، فالتربية على سيادة القانون يجب أن تصبح جزءا من ثقافة المواطن، وعقيدته الحياتية اليومية بحيث يلتزم بالقانون والأنظمة والتعليمات التي تصدرها الدولة وتُحقق المصلحة العامة.
واقع الحال في مجتمعنا يشير وبكل تجلي إلى أنَّ سيادة القانون تغيب عن اغلب القوانين التي تنظم حياتنا العامة، والمجال هنا يتسع لضرب امثلة فقط؛ فقضية اطلاق العيارات النارية قديمة جديدة وتراوح مكانها وتمارس في المجتمع على نطاق واسع وما شاهدناه في الايام الماضية دليل قاطع على أن هناك فئة قليلة في المجتمع لا تمتلك السلاح، ومثال آخر نجد قانون السير الذي يوجب على الانسان الالتزام بقواعد واضحة ومحددة نجد الأغلبية لا تجد من يلتزم بها إلا فئة محددة، فمن يلتزم بحزام الامان في سياراتنا ومن يلتزم بعدم استخدام الهاتف الخلوي ومن يلتزم بعدم رمي النفايات من نوافذ السيارات ومن يلتزم بعدم الوقوف المزدوج، ويقابل ذلك خرق واضح لقانون المحافظة على البيئة والثروات الطبيعية فلم يتبق لدينا الشيء الكثير من اشجار غابات عجلون وجرش، بفعل غياب سيادة القانون ولدينا سجل شبه يومي للتعدي على الكوادر الطبية والصحية وقبل ذلك تعد على الكوادر التعليمية في المدارس من قِبل الطلبة وأولياء أمورهم الى جانب ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للذم والقدح والسب والشتم واغتيال الشخصيات العامة والتعدي على المؤسسات الوطنية دون أدنى التزام بقانون منع الجرائم الالكترونية.
إن سيادة القانون تربية تغرس في نفوس وعقول الطلبة وأفراد المجتمع من خلال الجهات التي تُعنى بالتربية والتنشئة الأسرية والاجتماعية فالمسؤولية مشتركة بين عدة جهات؛ فوزارة التربية والتعليم معنية في التربية والتنشئة على احترام القانون وسيادته في عقول وقلوب الطلبة ومن خلال مناهج دراسية ثرية، تُوصل هذه القيمة بكل يُسر وسهولة وبطريقة تتناسب والمرحلة العمرية للنشء الى جانب الدور الاساسي والمحوري للأسرة التي اصبحت تنشأ على الانفلات من باب أن ذلك "شطارة"، ويجب أن تقف مؤسسات وجهات اخرى معنية وعلى رأسها وزارة الشباب والأوقاف والثقافة التي يقع على عاتقها مسؤوليات جَسيمة في بناء الانسان المنتمي والملتزم بالقانون قولًا وفعلًا من خلال برامجها ونشاطاته والفعاليات التي تنفذها.
ان تكريس سيادة القانون ليس مسؤولية الجهات الأمنية إلا في جزء يسير منها، فهذه الجهات يأتي دورها في مرحلة متأخرة ومحصور في فئة قليلة لم تلتزم بالقانون وليس تطبيق سيادة القانون على الآلاف من المواطنين الذين من المفترض أن لديهم التربية والتنشئة والاحترام للقانون، ولهيبة الدولة وبالتالي هم عَون للدولة في تطبيق لا متناهٍ للقانون.
في المحصلة فإن سيادة القانون ليست الإجراءات تفرضها الجهات الامنية بل في تربية وتنشئة قيمية واخلاقية يتمُ من خلالها غرس سيادة القانون واحترامه في عقول وقلوب أبناء المجتمع باعتبارها الضمان لأمن المجتمع واستقراره وازدهاره في ظل دولة القانون والمؤسسات.
وعليه فإن التربية على سيادة القانون مطلب وطني يتوجب على الدولة أن تتبناه من خلال جهد وطني تربوي متكامل مخطط له وبالشراكة مع جميع الجهات المعنية بالتربية والتنشئة وبناء الانسان الأردني الذي نريد ونحن نعبر في الدولة للمئوية الثانوية بكل ثِقة وعزم.

اضافة اعلان

*أستاذ قسم القيادة وأصول التربية في الجامعة الأردنية