سياسة إسرائيل تجاه عباس

يبدو أن اولمرت ينفذ تعهدا كان قد قطع به على نفسه أثناء قمة شرم الشيخ الأخيرة وذلك بعد ان وافقت الحكومة الإسرائيلية في جلسة الاحد الماضي على اطلاق سراح250 أسيرا من اتباع حركة فتح. ولا أحد يعترض على إطلاق أي أسير وذلك لأسباب انسانية ولان ذلك مكسب للفسطينيين. لكن لماذا وبهذا التوقيت بالتحديد تقوم حكومة أولمرت بمبادرة حسن نوايا من هذا النوع والجندي الاسرائيلي شلعاط ما زال في الأسر؟

اضافة اعلان

الهدف الأول للحكومة الاسرائيلية هو تعزيز الانقسام بين حركتي فتح وحماس. ويتضح ان هذا هدف إسرئيلي سعت إليه منذ فترة طويلة وتبرع الفلسطينيون بتحقيقه على أثر انقلاب حماس الدموي في14 حزيران. واطلاق سراح أسرى فتحاويين فقط انما جزء من استراتيجية اسرائيلية لتعزيز مكانة عباس حتى يبقى على رأس السلطة، لكن ضعيفا ومعتمدا في بقائه السياسي على تعاونه مع الإسرائيليين. ومرة أخرى فلا اعترض على تعاون فلسطيني اسرائيلي اذا كان ذلك لتحقيق المصلحة الفلسطينية. لكن هذه التكتيكات الاسرائيلية تخدم عباس فقط على المدى القريب جدا. إذ لا تسعى إسرائيل من وراء صفقة صغيرة كهذه لتعزيز مكانة عباس كقائد للفلسطينيين، بل قائد لفصيل فلسطيني ملتهيا بلعبة العراك مع حماس.

كان بإمكان الاسرئيليين، ومنذ زمن بعيد، تقوية مكانة عباس، لو انها بادرت لإنجاز صفقة تبادل أسرى كاملة تشمل السيد مروان البرغوثي. فمقولة "الايدي الملطخة بالدماء" هي ترنيمة اسرائيلية ساذجة لان الكل أياديه ملطخة بالدماء. فقط صفقة كهذه تثبت ان عباس رئيس قوي ويستطيع ان يحقق لشعبه وليس لفصيله عوائد استراتيجية كبيرة. وهذا ليس غباء في الاسرئيليين على الاطلاق وانما تعبير عن فهم اسرائيلي كبير لديناميكيات الحراك السياسي الفلسطيني وكيفية تفريق خصومها بهدف عدم تأهيليهم كشريك للسلام. وحتى أموال الضرائب المائة مليون التي أعطيت لحكومة فياض هي من أجل تعزيز الانقسام الناشئ بين الفلسطينيين.

تقزيم الرئيس عباس الى قائد فصيل هو قرار اسرائيلي بامتياز. وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على الرئيس عباس فهو في موقع لا يحسد عليه. فمن جانب هناك اتجاه اسرائيلي حاكم وطاغ لا يقوى على المجازفة بعملية سلام حقيقية، ومن جانب آخر هناك أبناء وأنصار حماس يتربصون لاحكام السيطرة على مقاليد الفلسطينيين بدلا من فتح. ولم يكن أمام عباس القدرة على رفض إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين لأسباب كثيرة.

نعود الى فكرة تقزيم عباس، فلو سعت اسرائيل بالفعل لتقوية المعتدلين فهي لا ينقصها الذكاء كيف يمكن عمل ذلك. لكن الحقيقة الساطعة هي ان حكومة اولمرت ليست أقوى بكثير من حكومة الطوارئ الفلسطينية، وبالتالي فرئيس حكومتها معني بالبقاء السياسي الذي لن يطول حتى بإطلاق عملية سلام. وقد بينت افتتاحية هآرتس قبل بضعة أيام زيف حملة العلاقات العامة الاسرائيلية بخصوص اطلاق سراح السجناء. ونشر تقرير بيتسلم الاسرائيلية والذي تبين فيه ان 92 مستوطنة من اصل 164 تم مضاعفة مساحتها. ولا يعقل ان من يريد السلام يقوم في الوقت نفسه بنشاطات استيطانية لا يمكن لها الا تعطيل اي حلول مستقبلية. وهذا استمرار لعملية استيطان ممنهجة منذ عام 1967. وان اختلفت مبررات الاستيطان فالنتيجة هي انها تعبير عن سياسة واعية من قبل كل الحكومات الاسرائيلية السابقة وتهدف لتقزيم مساحة الارض المتبقية للفلسطينيين.

بكلمة؛ يمكن القول ان عودة السجناء المنتظرة مرحب بها، لكن الاستراتيجية الاسرائيلية التي تهدف الى تعزيز الانقسام وتأليب أهل غزة ضد حماس قد تضعف فتح وتدفع حماس الى التطرف بدلا من الاعتدال.   

[email protected]