سياسيون: التصدي لـ"داعش" مسؤولية عربية

مقاتلون من تنظيم "داعش" يجوبون شوارع محافظة صلاح الدين العراقية عقب استيلائهم عليها مؤخرا -(ا ف ب)
مقاتلون من تنظيم "داعش" يجوبون شوارع محافظة صلاح الدين العراقية عقب استيلائهم عليها مؤخرا -(ا ف ب)

تغريد الرشق

عمان -  اتفق سياسيون على أن التهجير الممنهج، الذي يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، بحق المسيحيين والأزيديين في العراق، هو أمر “غير مسبوق” بهذا الحجم، منذ نزول رسالة الإسلام، وأن ما يجري من تطهير عرقي يرقى لجريمة حرب.اضافة اعلان
واعتبر محللون، في حديثهم لـ”الغد”، ان هذه الجرائم، تستوجب “تدخلا دوليا واقليميا”، ليس فقط من الجانب العسكري، بل من الجانبين السياسي والانساني ايضا، للوصول لحلول سياسية في البؤر الساخنة في المنطقة، والتي اشعلتها “داعش” كما في “العراق وسورية ولبنان”. 
كما اعتبر مراقبون ان الحكومة العراقية، التي وصفوها بـ”الطائفية”، لها دور كبير فيما يجري، وان تعنت رئيسها و”فساد الطبقة السياسية الحاكمة”، وصراعها على المواقع، بدل التفكير الجاد بالتصدي لخطر “داعش”، أدى لوصول العراق الى ما وصل إليه.
ويرى وزير الخارجية الأسبق كامل ابوجابر، ان هذه هي المرة الأولى بتاريخ الاسلام، التي يحدث بها مثل ما يجري الآن في العراق، “صحيح كان هناك بعض الاضطهادات، ولكن ليس تهجيرا جماعيا ممنهجا على هذه الشاكلة”.
وعبر ابوجابر، الرئيس السابق للمعهد الملكي للدراسات الدينية، عن أسفه لأن يجري مثل هذا التهجير باسم الإسلام، وقال “الإسلام بريء من هذا الاستخدام السيئ، حيث آمن الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) نفسه، بالتعددية الدينية والثقافية والعرقية، وأفسح المجال لذلك في حياته، وخير دليل على ذلك كان دستور المدينة، وهذا بأمر من الله تعالى، في القرآن الكريم في الآية: (وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)”.
وأشار أبو جابر إلى أن “الاسلام هو الدين الأول والوحيد في الفترة التي نزل بها، والذي قبل بالتعددية وتعامل معها بايجابية، والدليل على ذلك تتالي العهود والمواثيق، وعلى رأسها العهدة العمرية بالقدس”.
وقال ان ما يحصل من قبل بعض الفئات والجهات “الجهادية” التي اختطفت الاسلام المعتدل، مثل “داعش” وجبهة النصرة، هو “اساءة للدين واستخدام له بأبشع الصور”، وتساءل: “هل من الدين أن يقتل الإنسان جاره، ويقطع رأسه، أو يدفنه حيا، لمجرد انه من دين آخر؟”.
واعتبر انه “لا بد من وقفة عربية في هذا الصدد”، وقال “لا أريد من الأميركيين أو الأوروبيين أن يساعدوا المسيحيين، أي مساعدة يجب أن تأتي من الأخ والجار المسلم، ونحن بحاجة الى هبة عربية إسلامية شعبية، ومظاهرات ضد تشويه الاسلام، بالأعمال التي لا علاقة لها بالدين، وأن تقدم الدول العربية جهودا في هذا الشأن، لكن للأسف الدول العربية مبعثرة ومشرذمة”.
أما مدير مركز القدس للدراسات عريب الرنتاوي، فنعت ما يجري بـ”الفاجعة الكبرى”، واشار الى ان المركز، الذي يرأسه، كان يقيم عشية غزو الموصل، مؤتمرا بعنوان “حاضر مسيحيي العراق ومستقبلهم”، وأن الموضوع الرئيسي في المؤتمر كان “ان المسيحيين بحاجة لمحافظة تكون خاصة بهم”.
وبيّن الرنتاوي، أن العشرات من الشخصيات المسيحية المشاركة بالمؤتمر، اقترحت حينها “سهل نينوى”، وهي المنطقة التي يهجّرون منها الآن، وأنهم كانوا يطالبون بالاعتراف بهم كأقلية قومية ودينية وليس دينية فقط، وتابع “لم يخطر ببالنا انه خلال ايام سيهجر المسيحيون من هذه المناطق، التي يعتبرونها مناطقهم الآمنة، وأن “داعش” ستجتاحها”.
واعتبر أن ممارسات “داعش” هي “فكر ظلامي تدميري يرقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية، ووصفه بـ”الفكر الغريب عن الإسلام في التعايش مع أهل الكتاب”، وهو الأمر، الذي ما كان سيحدث على هذا النحو البشع، “لولا فساد الطبقة السياسية الحاكمة وانتهازيتها وصراعها على المواقع، بدل التفكير الجاد بالتصدي لخطر “داعش” وتفكيك العراق”، وفقا للرنتاوي.
ويرى الرنتاوي ان ما يجري حاليا، يستوجب تدخلا دوليا واقليميا، سياسيا وعسكريا وانسانيا، وأوضح “عسكري بمعنى ضرب “داعش”، وسياسي بمعنى ايجاد عمليات سياسية، تؤدي إلى حلول في كل من سورية ولبنان والعراق، اما انسانيا فالعمل الإغاثي الفوري لهؤلاء الفارين العالقين في الجبال”.
الى ذلك، كانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعلنت ليل الجمعة السبت، أن طائرات عسكرية أميركية، ألقت حاويات تضم ماء وعشرات الآلاف من المواد الغذائية، للمدنيين الفارين من عنف “الجهاديين” في العراق.
وقالت الوزارة إن ثلاث طائرات شحن، ترافقها مقاتلتان “إف آيه 18” ألقت هذه المؤن “لآلاف المواطنين العراقيين المهددين من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في جبل سنجار في العراق”.
وفي ذات الشأن، اعتبر عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان محمد الحلايقة، أن “قتل وتهجير المسيحيين يعد سابقة في تاريخ التعايش المسيحي الاسلامي”، وان هذا “لم يحدث في تاريخ الاسلام، وان المسيحيين كانوا يعيشون في الدول الاسلامية دائما بأمن وأمان”.
واعتبر الوزير الأسبق الحلايقة، ان الاسلام اختطف على يد من اسماهم بـ”الحشّاشين الجدد”، وهم “داعش”، الذين يدعون انهم يقاتلون تحت راية الاسلام، الا انه نبّه الى ضرورة ان لا ننسى “أنهم قتلوا أعدادا كبيرة من المسلمين، قبل قتل المسيحيين، كما انهم فجروا مساجد قبل أن يفجروا كنائس”.
واعتبر انه يجب أن تتضامن كل القوى لمحاربة هذه الفئات، المشكوك بمصادر تمويلها وانتماءاتها، والقوى التي تحركها، “علينا مسؤولية محاربة هذه الفئات، والنظام الطائفي في العراق له دور كبير، في تزكية الارهاب والاقتتال، والمسؤولية في جذورها تعود على الأميركيين، الذين غزوا العراق تحت مبررات مختلفة”.
وفي الختام، تمنى الحلايقة ان “تسود الحكمة والعقل لوضع حد لهؤلاء الارهابيين الذين يشوهون صورة الاسلام”.
من جانبه، اعتبر النائب جميل النمري، في مقال له نشر في “الغد” اول من امس الجمعة، ان خطر “داعش” على المسيحيين في الأردن “قائم بقدر ما هو قائم على الأردن ككيان ودولة” وانه “طالما أننا نثق بقدرة الدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية، فإننا نثق بأنه ليس للمسيحيين أن يخشوا شيئا”.
وقال في ذات المقال “لا أعتقد فقط أن الأردن قوي وقادر على ضرب كل محاولة لمد اليد إليه في المهد، وإنما أيضاً أنه سيكون ممكنا استئصال “داعش” بنفس السرعة، التي ظهر فيها هذا التنظيم، حال التمكن من بعض الترتيبات والتسويات السياسية، وخصوصا في العراق”.

[email protected]