سيرة مدينة.. عمّان من زاوية أُنثى

لم يخطر ببالي عندما أهداني الصديق محمد حسن العمري نسخة من روايته "من زاوية أنثى" أن هذه الرواية ستستهويني وتشدني الى هذه الدرجة .اضافة اعلان
فإذا ما كان عبدالرحمن منيف قد نقل لنا صورة قلمية بديعة عن عمان البدايات من خلال لوحته الأدبية "سيرة مدينة" فإن العمري قد رسم بريشة فنان رشيقة التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها عمان أواخر القرن الماضي، عمان بين الروايتين تبدو كطفلة فاجأها البلوغ على حين غفلة وهي لم ترتو بعد من طفولتها القريبة، فتراها تحاول انتعال حذاء والدتها علّه يمنحها بضعة سنتمترات، وهي المدينة التي لم تستطع ان تنأى بنفسها عما يحيط بها من خطوب تحاول أن تُبحر برُكابها الى بر الأمان في خضم مُتلاطم .
لقد حلق الكاتب بنا في سماء عمان، المدينة التي استوعبت الجميع واحتضنت من أحبها ولم تلفظ من خذلها، المدينة التي عرفت من التقلبات السياسية والاجتماعية التي حدثت بسرعة فاقت تبدل فصولها وفتحت ذراعيها لكل اللائذين بها طلباً للدفء والامن وتحقيق الذات .
فهي الانثى بجمالها وشغفها وتقلباتها، وهي المدينة التي تمرض لكنها لابد تنهض تنضو عنها جانباً ملاءات المستشفى لتعود أكثر نضجاً وفهماً للحياة .
لم يكن العمري أول من استخدم السرطان في الأدب، فقد سبقه الكثيرون وقد يكون أولهم الكاتب الروسي الكبير "ألكسندر سولجنيتسين" في روايته الرائعة " ردهة السرطان" التي عالج من خلالها الوطن المبتلى بالسرطان قيد العلاج في إحدى المصحات في آسيا الوسطى، لكن في الوقت الذي ختم فيه سولجنيتسين روايته بنظرة تشاؤمية تعكس موقفه من النظام الشيوعي القائم في ذاك الوقت كانت الانثى عمّان تتعافى في مركز الحسين للسرطان بعد أن خضعت لعملية جذرية لإزالة الورم المنتشر والذي لم تنفع معه الحلول المجزوءة والمسكنات .
فإذا كان سولجنيتسين قد وصف حالة وطن استفحل فيه السرطان دون امتلاك الارادة والادوات الملائمة لمقاومته، فإن عمّان المتسلحة بالعلم والتسامح وإرادة الحياة لم تلبث أن نهضت، قد لا تكون كاملة لكنها ترفض عمليات التجميل الشكلية لأنها تثق بجمالها الداخلي وبرسالتها.
يتجاور على أسرة المستشفى مرضى من شتى الدول العربية الذين وجدوا في عمان بلسماً شافياً لجراحهم، وهي بدورها رغم ما تعانيه من ألم لم تتخل عن دورها في بعث الأمل فيهم من جديد
لقد ختم العمري روايته على وقع صيحة الميلاد الجديد لأنثى جديدة تحلم بغد أفضل خال من الأسقام .
قد تكون قراءتي لهذا النص يشوبُها بعض التحيز لكن لكل قارئ الحق في قراءة النص الأدبي من زاويته، فالكاتب يفقد حصرية ملكيته للنص فور خروج هذا النص من المطبعة ليصبح ملكية عامة حمالة أوجه .