سيناريوهات العودة للمدارس: ماذا أعددنا؟

أقل من شهر واحد يفصلنا اليوم عن بداية العام الدراسي الجديد، وما يزال الغموض بشأن شكل وآلية الدراسة يؤرق أولياء أمور الطلبة. قبل نحو أسبوعين أكد وزير التربية والتعليم ان الطلبة سيعودون إلى مدارسهم وان العام الدراسي الجديد سيكون كالمعتاد، لكن وزير الصحة صرح بعد ذلك بأيام قليلة بأن عودة الطلبة لمدارسهم مشروطة بوصول الأردن للمنطقة الخضراء، معيدا بذلك الجدل الكبير الذي ظننا أنه قد حسم وانتهى بتصريحات وزير التربية. حالة عدم اليقين هذه بشأن شكل عملية التعليم وطبيعتها تبقي الأبواب مفتوحة أمام جميع السيناريوهات بين التعليم عن قرب وعن بعد، وربما بدمج النموذجين معا، وهو الأمر الذي يفجر لدى أولياء أمور الطلبة مخاوف كبيرة من تكرار الأخطاء والمشكلات والمطبات التي اعترت التجربة السابقة والتي ما زالت آثارها قائمة بل ان كثيرا منها ما زال عالقا إلى اليوم في ظل عدم التأسيس بشكل مهني لمفاصل العملية وبدائلها الممكنة. في العام الماضي اضطررنا لقبول أمور عدة لم نكن راضين أبدا عن مستوى الأداء فيها لأننا كنا ندرك أن أيا من أطراف العملية لم يمتلك رفاهية الوقت للاستعداد والتهيئة بما يضمن لنا استجابة فعالة لمتطلبات الظرف المستجد والطارئ. اضطرت وزارة التربية والتعليم لإغلاق المدارس والتحول للتعليم عن بعد، فحاولت جاهدة توفير محتوى إلكتروني على منصاتها المعتمدة. ورغم وجود حالة عامة من عدم الرضا عن سير العملية من قبل الطلبة وذويهم تصر الوزارة على أن التجربة كانت ناجحة. وبما أن العملية لم تخضع حتى اللحظة لتقييم علمي فسيظل الحديث عن نجاح العلية وفشلها مجرد آراء وانطباعات لا يمكن البناء عليها في التأسيس لمرحلة قادمة. لم نسمع عن إجراءات اتخذتها الوزارة لتطوير المحتوى التعليمي الإلكتروني بحيث يكون بديلا مكافئا للتعليم المباشر، ونعلم جيدا أن المحتوى الإلكتروني الذي تم إنتاجه والاعتماد عليه خلال فترة الحجر والتعطل لم يكن تفاعليا وهو ما اعترف به وزير التربية والتعليم في أكثر من مناسبة. لم يكن هناك أي عمليات تأهيل وتدريب لمعلمي القطاع العام للتعامل مع البدائل الممكنة وبشكل خاص التعليم المدمج في حال اعتماده. كثير من طلبة المدارس الحكومية لم يتمكنوا من الوصول إلى المحتوى التعليمي لأسباب لا يمكن تحميل مسؤوليتها لوزارة التربية والتعليم، لكن الوزارة مطالبة بتعويض هؤلاء الطلبة عما فاتهم وهو أمر طالما تعهد فيه وزير التربية والتعليم وكان من أهم مبررات توجه الوزارة لتبكير موعد بدء العام الدراسي، إلا أن موعد العام الجديد بقي كالمعتاد ولم توضح لنا الوزارة خطتها البديلة لتعويض الفاقد التعليمي لدى الطلبة. من جانب آخر أدى انسحاب وزارة التربية من مسؤولية الإشراف على سير عملية التعليم عن بعد في القطاع الخاص، إلى نشوء مشكلات ما تزال عالقة بين المدارس وأولياء أمور غير مقتنعين بأحقية تلك المدارس في استيفاء كامل رسومها السنوية طالما أن الدراسة كانت عن بعد ولم تكبد المدارس كلف التعليم المباشر نفسها، والأهم انها لم تكن بجودة وكفاءة التعليم داخل المدرسة. هذه الأزمة مرشحة للاتساع في ظل تراخي الوزارة في إصدار تصنيف للمدارس الخاصة، وإعداد أسس لتقييم عملية التعليم عن بعد في القطاع الخاص-ناهيك بالطبع عن تقييمها في القطاع العام- ليجري بناء على تلك الأسس ونتائج التقييم تحديد نسب خصومات معينة من إجمالي الرسوم تدرج في العقد الموقع بين المدرسة الخاصة وولي الأمر لتمنع وقوع اي خلاف في حال اللجوء للتعليم عن بعد بشكل غير اختياري. يمكن القول إذن إننا لم نستعد كما ينبغي لما هو آت، ولم نستثمر الفترة الماضية للتخطيط والتعلم من الأخطاء، وبالتالي فإن المشكلات الكثيرة والأخطاء الكبيرة وما نتج عنها من خسائر اضطررنا للتجاوز عنها في العام الماضي جميعها مرشحة للتكرار وعلى مستوى أوسع وأشد حدة وتأثيرا. اليوم تقف وزارة التربية والتعليم أمام اختبار لتدارك هذه الأمور والإعداد لها. صحيحٌ أن الوقت المتبقي لم يعد متسعا بقدر مريح، لكن أي جهد سيبذل في ذلك السياق سيكون أفضل من الاستسلام لحجة ضيق الوقت، ثم الاصطدام بالعثرات ومحاولة إيجاد حلول جزئية ستؤدي مع الوقت إلى مراكمة الخلل وإلى مزيد من الخراب.اضافة اعلان