سيناريو للمصالحة الفلسطينية

هناك ثلاثة مواقف أساسية بشأن المصالحة الفلسطينية الداخلية، هي مواقف حركتي "فتح" و"حماس"، فضلا عن مصر. وتبدو حاليا مواقف مصر أقرب إلى "حماس" ولكن هذا لا يعني أنّ المواقف غير قابلة للحوار والنقاش، وأن اقتراب مواقف الحركتين ومصر من بعضها مستبعد. ولعل أهم ما في الحوارات الجارية حاليا أنها أنهت مرحلة جمود وقطيعة في الاتصالات بين الأطراف.اضافة اعلان
تبلور موقف حركة "فتح" في الأشهر الأخيرة، على أساس رفض التدرج، ورفض الشروط والمطالب المسبقة، بحيث تطالب "فتح" أو الرئاسة الفلسطينية، بتسلم مهام غير مشروط للقطاع ليكون الوضع فيه من حيث صلاحيات الحكومة تماما كالصلاحيات في المنطقة (أ) في الضفة الغربية، أي السيطرة الاقتصادية والأمنية دون شريك أو منازع فلسطيني من أي طرف كان، يضاف لذلك السيطرة على المعابر. وبالتالي تقول "فتح" إذا تسلمنا كل شيء في غزة سنقوم بكل المهام، بما فيها الكهرباء، والرواتب، وسواها، لأنها تصبح مهمة الحكومة عندها، وترفض وضع مراحل لتسلم الصلاحيات، أو تأجيل ملفات. وتريد أن يكون الاتفاق على حكومة جديدة تتولى الانتخابات أو مناقشة مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني، بعد أن تتسلم الحكومة الحالية، أو حكومة أخرى يشكلها الرئيس محمود عباس، مجمل الملفات في غزة.  
موقف "حماس" يريد التدرج في عملية المشاركة في المسؤوليات في غزة، وكان يتضمن الموقف أن تكون المشاركة تبادلية، في غزة وخارجها، أي في الضفة الغربية وفي منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، وكذلك تدرج وتبادلية في تسليم الصلاحيات والموارد في غزة مقابل قيام حكومة رامي الحمدالله الحالية بمسؤولياتها، في دفع رواتب موظفي حركة "حماس"، والمهام الأخرى. وطبعا التدرج قد يعني أنها لن تتخلى عن دورها في بعض الملفات.
أما موقف مصر، فهو يركز على الوضع في غزة، (وليس كل ملفات الخلاف الفلسطيني) ويريد الحل هناك، ولا يمانع بل يسعى لحل على مراحل، فيها قدر من التبادلية، بحيث ينفذ كل طرف خطوة مقابل أخرى، كاستلام الوزراء وزاراتهم بالتوازي مع العودة لدفع رواتب الموظفين في السلطة في غزة، وزيادة القدرة على التزويد بالكهرباء، وهو موقف أقرب لما تريده "حماس". 
يبدو الحل الوسط الممكن في قطاع غزة، هو استلام الحكومة الفلسطينية الحالية، أو حكومة أخرى لا تخضع لمفاوضات أو توافقات، لمجمل الملفات في غزة، مع ضمانات مصرية بخصوص بعض الملفات، مثل الكهرباء، والرواتب، وانتخابات السلطة الفلسطينية مستقبلا، مع ترك ملفات مثل منظمة التحرير الفلسطينية، والشراكة في النظام السياسي للمستقبل، وعدم ربطها بالمصالحة في غزة.
هناك ملفات ستصر حركة "فتح" عليها تماما، وهي السيطرة على المعابر، واختفاء أي دور لكتائب عزالدين القسام، في الأمن الداخلي للقطاع، وإخضاع الأمن هناك لوزارة الداخلية، والجباية المالية التامة للرسوم والضرائب، وربما تصر على صلاحيات تامة للوزراء كما هو الوضع في رام الله، وقطع الطريق على قيام وكلاء الوزراء الذين عينتهم "حماس" في غزة بدور يوازي أو يتعارض مع دور الوزراء. والملفات التي قد يتم التوافق على تأجيلها تتضمن موضوع "سلاح المقاومة"، ويمكن تقديم ضمانات بخصوص العمل على تطوير منظمة التحرير الفلسطينية، بالصيغة المتفق عليها بين الفصائل بما فيها "فتح" و"حماس"، وتحديداً فيما يتعلق بالمجلس الوطني الفلسطيني، مع رفض طرح أي شيء يتعلق بالبرنامج السياسي أو اتفاقية أوسلو، مسبقاً أو خارج إطار المجلس الوطني الجديد، ومع ترك هذا الملف لما بعد المصالحة.
يمكن أن يكون تأجيل موضوع سلاح المقاومة هو التنازل الوحيد الذي ستقدمه "فتح"، والذي سيكون مطلوبا من مصر ضمان عدم تدخله في الحياة السياسية والإدارية الداخلية، مقابل ضمانات أيضاً بعدم مس هذا السلاح، وربما أيضا توفير موارد للعناصر الأمنية في "حماس"، وكل ذلك في مرحلة انتقالية لحين التوافق على مستقبل القطاع وعلى مجمل ترتيبات النظام السياسي الفلسطيني الجديد.
ليس سهلا تمرير هذا السيناريو خصوصا من حيث رفضه من قبل جناح قوي في الميدان في حركة "حماس"، ولأنه يتضمن ملفات صعبة، من مثل عودة أجهزة الأمن السابقة إلى قطاع غزة، ولكنه يبدو السيناريو الأقرب الآن.