شاهد على ماذا؟!

للأسف، ثمة كتاب وسياسيون أردنيون متخصصون في "تبييض جرائم إراقة دماء الشعب السوري"! ولا أعلم أي استهانة بكرامة الإنسان وقيمته أكثر من أن يمحو هؤلاء كل معاناة آلاف الأسر والضحايا من التعذيب والقتل الهمجي بجرّة قلم، سواء في مقال أو بيان سياسي، كالذي وقعت عليه الشخصيات القومية واليسارية، تتغزّل فيه بإصلاحات الرئيس السوري!اضافة اعلان
ولعلّها مفارقة عميقة تلك التي علّق عليها الزميل والصديق باتر وردم في مقالته أول من أمس، عندما ذكّرنا بتصريحات وزير عدل سابق كان قد وقع على قرار السماح بخروج خالد شاهين من البلاد، مبرّراً ذلك بأنّ "حق الحياة مقدس" وفوق الاعتبارات، ثم هو اليوم يوقّع على البيان الذي لم يتأن أو يدقّق في الحقائق التي تتحدث عن آلاف القتلى السوريين من المدنيين الأبرياء والأطفال وعشرات الآلاف من المعتقلين (ليس في سلحوب، بل في ظروف لا يعلم بها إلاّ الله!).
كاتب آخر يتبرع بتقديم شهادته لنا عن زيارته لدمشق، التي وصفها بالجريئة، ويتحدث عن الحياة الطبيعية خلال جولاته في المدينة. لكن ما دامت الجرأة حاضرة بهذه القوة لدى الرجل، فلماذا لم يوسع من إطار زيارته ويتجول في محافظة حمص، على سبيل المثال، ويلقي نظرة على حي "بابا عمرو" (أقصد حطامه)، وإدلب، وحماه، ويستمع إلى الناس هناك؟ هذه القيمة الحقيقية لشهادته، فليذهب إلى هناك ويكذّب الأنباء الحاقدة عن مجازر وهمية بحق السوريين، ويؤكّد أن الناس هناك في أحسن حال، ويهدونكم السلام (أو يرقدون بسلام!)، ويقولون لكم لا تصدّقوا الإعلام العميل، فما تشاهدونه هو فقط في غرف الدبلجة، أما نحن فنرفل في النعيم (أو شهداء في الجنة)!
كنت أتمنى عليه، وهو يتمتع بعلاقات جيدة، فيُستضاف على التلفزيون الرسمي السوري، ويَنتقد الاتجاه نحو "النيو-ليبرالية" في الاقتصاد السوري (وليس المجازر الدموية هناك!)، أن يطلب من "أصدقائه" السماح له بزيارة آلاف المعتقلين، ليتمتع بيوم مشمس وشيء من الرفاهية هناك، مع آلاف المناضلين السوريين الذين يتمتعون بإقامة 5 نجوم في المعتقلات، ويتنعمون بألذ الطعام والدلع والدلال، وبكافة حقوقهم الإنسانيةّ، ويتابعون باستهجان ما تبثه الفضائيات عن أوضاعهم في المعتقلات والسجون.
كاتب آخر يدعو إلى حوار وكلمة سواء في الشأن السوري، ثم يأتي بمقال كامل يبرر فيه – ضمنياً- ما يحدث بذريعة "الموقف العروبي ضد المشروع الصهيوني"! ويختزل الثورة السورية بالمتطرفين من الجماعات الإرهابية، أهذه كلمة السواء؟! الكلمة التي نعرفها ونؤمن بها واضحة: لا يجوز أن نختلف على قدسية الإنسان وكرامته وحرياته وحقوقه الإنسانية والمدنية، هذه قيمة عليا، لا نقاش فيها ولا جدال، بعد ذلك اختلفوا واتفقوا مع النظام السوري وعروبته ووطنيته والمؤامرة الدولية عليه، وخيانة الثوار، ولا بأس أن يتخصص كاتب أردني بسلسلة مقالات يومية في الرد على ما يسميّه "مجلس اسطنبول".. قبل ذلك نريد موقفاً واضحاً صلباً صريحاً يطالب النظام السوري بالديمقراطية وبمحاسبة السفاحين وبتحقيق قضائي نزيه في الجرائم التي حدثت من النظام والمعارضة، وبتطهير السجون والمعتقلات من الآلاف المطحونين فيها، بعد ذلك قولوا ما شئتم!
لنكنْ أكثر وضوحاً وصراحةً، نعم القدس غالية علينا وفلسطين في القلب، ونحن مع مشروع المقاومة والجهاد والممانعة ووحدة سورية وضد التدخل الخارجي ونرفض كل ما يمس سيادة الشعوب العربية.. لكن ذلك ليس على جثث الشعب السوري وحريته وكرامته، ولا دماء الناس وأعراضهم، فلا يجوز أن تبقى القضية الفلسطينية مشجباً تعلّق عليه خطايا النظم وكوارثها، والكيان الإسرائيلي قميص عثمان الذي يرفع على أسنة رماح مغموسة بدماء وأشلاء أطفال حمص ودرعا وإدلب.. لن نقبل ذلك أبداً.

[email protected]