شاهين: "الثقافة والامبريالية" يؤكد ان الهيمنة لا تستطيع بسط نفوذها بالكامل

شاهين: "الثقافة والامبريالية" يؤكد ان الهيمنة لا تستطيع بسط نفوذها بالكامل
شاهين: "الثقافة والامبريالية" يؤكد ان الهيمنة لا تستطيع بسط نفوذها بالكامل

في محاضرة له بعنوان ادوارد سعيد: الثقافة والمقاومة

 

زياد العناني

 

اضافة اعلان

  عمان- عاين الباحث د. محمد شاهين في محاضرته "ادوارد سعيد": هجرات متعاقبة في عالم النص والثقافة التي نظمها منتدى شومان مساء اول من امس وادارها د. نهاد الموسى جملة من الحوادث التي رواها الراحل سعيد في سياق حديثه اثناء فترة عمله مدرسا في جامعة كولومبيا وكيف ان القسم الذي قبل تعيينه في الجامعة قد وصفه عندما قابله بأنه يهودي اسكندراني"نسبة الى الاسكندرية طبعا" مشيرا الى ان ادوارد سعيد نفسه ذكر في تلك المناسبة ان الزملاء القدامى في القسم باستثناء واحد او اثنين قد رحبوا به ترحيبا بالغا يفوق الوصف اذ وجدوا فيه عالما شابا واعدا يمتلك قدرة هائلة على الارتقاء بثقافتنا "اي الثقافة الامريكية".

   واستذكر د. محمد شاهين مقالة سعيد"التمنع والتجنب والتعرف" الذي تحدث فيها بحرقة عن ازمة الوضع الراهن الذي تمر به الامة العربية التي تبين التزام سعيد المبكر بقضايا الامة العربية حيث يمكن النظر اليها بوصفها مدخلا لأغلب كتاباته اللاحقة خصوصا في ميدان الثقافة والتراث والهوية لافتا الى ان هذه المقالة تضم اشارات مكثفة الى افكاره التي توسع كثيرا في مناقشتها لاحقا.

   وتطرق د. شاهين الى كتاب "العالم, النص والناقد" الذي كان من الكتب الرائدة في النظرية الادبية والذي كانت له الاسبقية في تأسيس نظرة متميزة الى النص اصبحت منذ ذلك الحين نبراسا يهتدي به النقاد والمفكرون مشيرا الى ان ادوارد سعيد قد عارض فيه موقف المحدثين نقادا ومفكرين غربيين ممن عالجوا النص على انه موضوع مستقل عن ظروفه التي احاطت بإنتاجه ونادوا باستقلاليته عن منتجه - اي المؤلف - واختزلوه الى محض جماليات ادبية او تقنيات لغوية بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي تشمل بصمات المؤلف نفسه او سيرة حياته او الظروف الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالنص ذاته حيث تساءل ادوارد بوضوح: الا توجد طريقة لمعالجة النص غير الطريقة التي تبعده عن العالم الذي ينشأ منه اصلا ويعود اليه لاحقا بعد ان يتشكل نص رفيع المستوى؟ ليجيب على هذا السؤال وغيره من الاسئلة التي يطرحها حول الموضوع بالرجوع الى التراث العربي الاسلامي ليعرض لرؤى مدرستين عربيتين اسلاميتين ظهرتا في اندلس القرن الحادي عشر خاضتا بعمق في حقل نظرية النص لافتا الى ان ادوارد وفي معرض حديثه عن هذا الموضوع قد بين كيف اهتمت المدرسة الظاهرية بإحياء نظام لقراءة النص عن طريق الانطاق يتوجه الاهتمام فيه الى الكلمات الظاهرة في ذاتها وعلى ما يمكن اعتباره المغزى الاول والاخير الذي جاء نطقها به تحت واقعة محددة وليس على المعاني المختفية التي يمكن الافتراض لاحقا بأن تلك الكلمات ربما تنطوي عليها مبينا ان ادوارد لاحظ كيف بلغت الظاهرة القرطبية على وجه الخصوص شأواً بعيدا في محاولاتها تقديم نظام لقراءة النص يتضمن اكبر قدر ممكن من التحكم بالقارئ والظروف التي تحيط به وذلك عن طريق توظيف نظريتها في طرح السؤال حول تعريف النص حيث يؤكد سعيد على ان كل لفظة عند الظاهرية تشكل في ذاتها مناسبتها الخاصة وهي الى ذلك مدعمة باحكام بسياقها الدنيوي الذي يجري تطبيقها فيه.

   كما يتطرق د. شاهين الى تشكل اطروحة فلاسفة النحو الاندلسيين التي عرضها ادوارد على بساطتها كمنهج مستقل في الدراسات المقارنة من مبدأ ألا حاجة لان يكون النص مؤثرا في نص آخر او متأثرا به لكي يكتسب شرعيته او قوة اضافية حيث تكمن قيمته في ذات مثل كل لفظة تشكل في ذاتها مناسبتها الخاصة بمعنى ان النصوص تحتاج في احسن الاحوال الى قراءات بقصد الاستكمال وليس بقصد الشروع في التأويل.

   وتبين الاطروحة في جزئياتها المكثفة والطريقة التي قاربها بها سعيد وكيف انه لم يكتف بالاطلاع على ما فاته من تراث اسلامي وعربي لافتا الى انه قد نفذ الى اعماقه ليقدم للقارئ الغربي جزءا من مساهمة الثقافة العربية الاسلامية في واحدة من اعقد نظريات النص المعاصر.

    وبيّن د. شاهين كيف ان اطروحة الثقافة قد ظلت تلازم تفكير ادوارد سعيد الى ان توجها في كتابه "الثقافة والامبريالية" الذي ظهر في العام 1993 واستكمل فيه ما لم يتسع له كتابه "الاستشراق" الذي كشف النقاب عن ممارسة المستشرقين الثقافية في خلق صورة مشوهة عن الشرق من اجل بسط الهيمنة الاستعمارية الا ان كتاب الثقافة والامبريالية اماط اللثام عن الكيفية التي استخدم الاستعمار بها ثقافته حصنا يساعد على استمرار هذه الهيمنة مشيرا الى ان ادوارد سعيد قدم في كتابه هذا قراءة جديدة لثقافة الآخر التي ظلت خافية علينا كما قصد لها ان تكون لافتا الى ان ما غيبه الاستشراق عن صورة المواطنين الاصليين يشبه الى حد قريب ثقافة الامبريالية التي غيبت ثقافة المقاومة عندهم حين استبدلتها بثقافة الهيمنة عليهم معتبرا ان ادوارد سعيد قد انطلق في تنقيبه عن خبايا من استراتيجية اساسها كما اشار اليه في كتاب "النص العالم الناقد" عدم اكتمال النص اذ يقول في موضع آخر بعدم وجود نص كامل بمعنى ان النص يمر في عملية(process) يتشكل فيها من ظرفية المكان والزمان المتجددة والمتغيرة اذ يعتقد سعيد ان الهيمنة مهما بلغ مداها لا تستطيع بسط نفوذها كاملا في ظرفية الزمان والمكان مؤكدا على ان ادوارد سعيد قد لاحظ انه لا بد من وجود هامش او فسحة تظل خارج نطاق الهيمنة مشكلة فرصة او بداية لمناهضة الهيمنة.