رأي في حياتنا

شاي أحمر كالشوق

هاتفتني هذا الصباح على غير العادة. كانَ الجوُّ دافئاً، على نحوٍ غريبٍ، كرغبةٍ في الحبِّ، فاقترحتُ بشكلٍ مباغتٍ أنْ نلتقي هذا المساء، فأبدتْ موافقةً، نادرةً، سريعةً كردِّ التحية، على أنْ نتحادثَ هذا النهارَ، كما لم نتحدَّث من قبل، ونؤكِّد الموعدَ الذي سيحدثُ، كالمعتاد: كلَّ صباحٍ عندما يقتربُ المساء؛ إذا انحنى النهار!
ستمدُّ كفَّها البيضاءَ للسلام، ولأنَّ الشوقَ حارٌّ كعودَةِ الصيفِ بعدَ شتاءَيْن، ستضمُّني كما تفعلُ أرضٌ عاقر مع عاشق كسره النظرُ إلى زرقة السماء، وتلومني لأنَّني احتملتُ هذا النهار الطويلَ، مثل الفراغ بين فضاءين، ولم يبدُ على قلبي مشقة الضجر، ستُبقي كفَّها البيضاءَ في حنطتي، وتعاتِبُني مثل عاشقةٍ في الأغنيات: “تأخَّرتَ عن موعدكَ.. كما يتأخّر الحبُّ”، فأضحكُ أو أُجنُّ كما يفعلُ الحبُّ في امرأة عندما يأتيها متأخِّراً!
اختَرْنا المكانَ المعتادَ قربَ البحر، عندما يكون الأزرق واضحاً، لا بياض كاذباً فيه، تحت الشمس عندما تكونُ مزيجاً من لونين حارين في وداعها، انتَقَيْنا المقاعدَ الخشبية المتباعدة، ككلام الحبِّ إذا كان خصاماً أو عتاباً، على طاولة دائرية مثل الشوق إذا كان أوَّله ولهٌ، ستطلبُ من النادل الرقيق الملامح قهوتَها البيضاء مرَّةً، وأشترطُ أنا أنْ يكونَ الشاي أخضرَ، كما الحبّ في أوَّله!
سنجلسُ متقابلين كبَيْتي شعر على البحر الخفيف: قولي لي الكلام الذي ادَّخرته من صمتكِ، وسأسمعكِ باهتمامٍ زائدٍ، كما يترقَّبُ طائرٌ صعودَ الفجر إلى الشجرة، أسمعيني بصوتِكِ المكسوِّ دلالاً، القصائد المكسورة الوزن، التي أهمَلَت القافية، وسأنصتُ لكِ، كما يخجلُ النثرُ في حضرة الشعر، أطيلي الشرحَ، كما لو أنَّ البحرَ بفضول موجاته يسمعنا، ولا تنظري إلى ساعتكِ الجلديَّةِ الرقيقةِ لتعتذري عما سرقتِ منِّي؛ فما حاجَتي للوقتِ إنْ ذهبتِ، وإنْ ذهَبَ الحُبُّ.
في غيابكِ، قبل صباحٍ من هذا المساء، كنتُ أجتهدُ في تفسير الوقت: الدقيقة تلكؤ طالبة في فهم درس الكيمياء، واستعجالها لحصة الأحياء الأخيرة، الساعة حنينُ امرأة لقصيدة الغزل الغنائيِّ على سور المدرسة المشتركِ، مع مدرسة الذكور المهنية، اليوم جلوس سيِّدة ضَجِرة على الشرفة عند الرابعة عصراً بانتظار شيءٍ ما كان من المفترض أنْ يأتي غداً، والعام مثل السنة: غداً عندما مرَّ ليلة أمس على طالبةٍ، وكانت امرأة أنضَجَها الحنينُ، حتى اكتملت بين يديه: سيِّدةٌ على شرفة الأربعين “بكامل مشمشها”!
التقَيْنا قبل غيابٍ من هذا اللقاء، فالنَّهار في بيروت، في منتصف الشتاء، قصيرٌ كقبلة أولى، وقابلٌ للانحناء إذا هاتفتكِ في منتصف الشوق، وأجَبْتِني قبلَ أنْ يكتملَ الرنينُ، ويُشبهني في الظنِّ والأنين: “تأخّرتَ كما يتأخَّر الحبُّ”، سأضحَكُ وأجنُّ، وأطلبُ من النادل الرقيق شاياً أحمرَ، اختمَرَ مثل قلب عاشقٍ إنجليزي في الهند، وأعيدُ لكِ تسمية الوقت: الدقيقة، والساعة والسنة؛ كلهنَّ نساء كنَّ في طريقي إليكِ قبل هذا المساء، الرابع عشر من شباط، الأحمر مثل شاي اختمَرَ عندما التبس علينا الوقت: بالأمس كان الحبُّ، واليومَ عيد.

[email protected]

[email protected]

[jetpack-related-posts][/jetpack-related-posts]
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock