شبكات التواصل تنظم نفسها بنفسها

يتحول اليوم كل إنسان إلى ناشر، يستطيع أن يسمع العالم بلا حواجز، وأن يبث بالنص والصوت والصورة في أي لغة ويوصل رسالته إلى العالم كله.. كأن كل فرد هو عالم مستقل بذاته، يعمل بنفسه ولنفسه، ويعلم ويداوي نفسه.. وينشئ وحده أمته ومدينته الخاصة المستقلة!اضافة اعلان
في التدوين الشبكي المتاح اليوم ينشئ الإنسان موارد وأعمالاً وفرصاً جديدة، ويحسن حياته، ثم يستقل بنفسه، ليجعل من بيته وذاته مجالاً للعمل والتواصل والتأثير والتعلم والمشاركة. كانت الفردية تبدو ضريبة مؤلمة لعصر الصناعة، لكنها تبدو اليوم مطلباً وفضيلة لعصر المعرفة.
ثمة إقبال عالمي وعربي على التدوين من خلال الشبكات والمواقع الكبرى أو في مدونات فردية لأجل التعبير، ورغم ما في ذلك من ثورية في الإعلام والتواصل والتأثير والتسويق والعمل، فإن التدوين لا ينشئ تلقائيا فرص النجاح والتأثير رغم أنه متاح بالفعل لكل إنسان ويمكن نظريا لكل إنسان أن ينشئ بسهولة مؤسسته ويشارك في هذا الفضاء العالمي بلا حدود، فالوصول الى الشبكة والمشاركة فيها لا يعني التأثير من خلالها.
لقد صاحب الحوسبة ثم الشبكة ثم التطبيقات الواسعة لها في التدوين والتواصل أو ما منحته الأجهزة المصغرة مشاعر وأحلاما كبرى بالعمل والتأثير والتسويق والثراء، فعندما بدأت الحوسبة كانت المؤسسات تعتقد أن الحاسوب هو سر النجاح، مجرد وجود الحاسوب يعني التفوق والتسويق والأرباح والتأثير، ولكنه بالطبع يتحول إلى عبء وإنفاق إضافي إذا لم يستخدم على النحو الذي يفعل الوقت والجهد والإنفاق، طبعاً أصبح هذا المثال تاريخياً، فقد صارت الحوسبة جزءاً أساسياً من الحياة والعمل على كل المستويات، ولم يعد ممكناً تصورها من دون حاسوب!
وعندما ظهر الإنترنت، اعتقد كثير من الأفراد والشركات والمؤسسات أن الإنترنت مجال واسع وهائل وتلقائي للتأثير والانتشار والتسويق والربح الوافر والعالمية، ولكن تبين بسرعة أن مواقع الانترنت تتحول إلى ساحات فضائية مهجورة إن لم تكن في منظومة عمل واسعة ودائبة من الإعلام والتواصل والتأثير ونوعية المنتج المقدم في الشبكة، وفـي موجة شبكات التواصل والتدوين نشأت آمال وتوقعات كبرى وخيالية عن النجاح، هناك بالطبع قصص نجاح كثيرة جداً من خلال التدوين.
الشبكة تخدعنا أحيانا، وتمنحنا شعوراً أكثر من المشاركة والتواصل الاجتماعي والشخصي، نعتقد أننا نفكر للعالم ونؤثر فيه، هذه التفاعلات الإيجابية أو السلبية تمنحنا شعوراً بأننا فاعلون ومؤثرون، وهذا شعور نسبي، فالتدوين نطاقه محدود يجب إدراكه وتحديده وملاحظة مدى ما يمكن أن يصل إليه، لقد حولنا الإعلام الجديد إلى أمم من الكتّاب والمدونين. لكن يجب أن نعي حدود الشبكة ووظائفها، ومحددات أهدافنا وأحلامنا.
لكن، يظل التدوين الشبكي قادرا وبسهولة على بناء وتشكيل مشاركة ومساهمات فردية ومؤسسية في الجدل والتأثير والتشبيك، والعمل العام والاجتماعي، يمكن لكل إنسان أن ينشر حول مواقفه ووجهات نظره في الأحداث والأفكار الكبيرة والصغيرة، اليومية المحلية والعالمية، وأن يعلق ويناقش في مجال اهتمامه أو نشاطه العام أو الخاص، وأن يقدم شيئا من خبراته المهنية ومعارفة وما يمكن أن يفيد الأصدقاء والمجتمعات، وأن يدعم مصالحه ومشاركته وموقفه العام أو المستمد من مصالحه وانتمائه، أو يكتب عن مشاهداه وآرائه في الحياة اليومية والسلوك الاجتماعي وذكرياته وتجاربه، كل إنسان لديه ما يمكن أن يشارك به، والكلمة الطيبة مثل شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين، كما يمكن لكل واحد أن ينظم ويطور خبراته وأفكاره من خلال التدوين، أو يحسن فرصه في العمل والحياة، وتظل الكتابة دائما مصدرا للشفاء والسلام!