شركاء في الجريمة

العين هيفاء نجار*

حينما يتناهى إلى مسامعنا خبر جريمة قتل فتاة فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا صورة قاتل وقتيلة، صورة مجرم وضحية، غافلين أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن تلك الجريمة تخفي وراءها أركانا أخرى مشاركين فيها شاؤوا أم أبوا. فأحلام لم تقتل بيد والدها وإنما نحن جميعا قد شاركنا بقتلها بطريقة أو بأخرى. فأن تحدث هذه الجريمة في وطننا يعني أننا جناة أو شركاء، لأننا نقبل أن ترتكب مثل هذه الجريمة النكراء ولا نحرك ساكنا.
هل نعيش زمن الجاهلية الأولى مع أننا في القرن الحادي والعشرين؟ أم أننا نتزين بزي الحضارة والمدنية ونحن غارقون حتى آذاننا بالجهل والتعصب والعنف والاستقواء على المرأة؟ من أعطى الحق للقاتل لينهي بغمضة عين حياة امرأة ما تزال أحلامها غضة؟ كيف لا تندى جباهنا خجلا أمام هذا العار الذي يجللنا جميعا ونحن شركاء في اختطاف أحلام أحلام وحياتها؟
العائلة شريكة بالجريمة، فتكريس التمييز بين الذكر والأنثى هو أداة الاستقواء في المجتمع، وهو شرارة العنف الأولى. وسلب حقوق البنت من قبل أهلها سواء في التعليم أو الإرث أو اختيار مستقبلها وشريك حياتها هو دعوة للرجل ليهضمها حياتها وإنسانيتها. إن العائلة هي مصدر الدعم والحنان لأفرادها ذكورا وإناثا وليست مصدرا لينال الرجل حظوة يعيث من خلالها فسادا في الأرض. على العائلة أن تكرس المساواة بين أفرادها، وتدعم البنت في مجتمع بعضه ينبذها وينال من حقوقها في كل مكان. وعلى العائلة أن تكون موئلا لتمكين الفتاة حتى تكون قادرة على العيش في مجتمع ما يزال بعضه ينظر إليها على أنها ضلع قاصر.
والمدرسة تتحمل جزءا من المسؤولية، فدور المدرسة ليس حشو عقول بناتنا وأبنائنا بالمعلومات بل الدور الجوهري أن تحتفل بالحياة بكل تجلياتها، أن تمارس الديمقراطية في شتى المجالات، وتكرس المحبة، وتجذر العدالة بين الجميع، وتقضي على الجهل بتمثيلاته المختلفة، وتنبذ العنف وتحارب الاستقواء. تنتخب نصوصا أدبية مشرقة تحتفي بالجمال والحق والخير والحياة، وتنتهج أسلوب الحوار بين طلبتها بعيدا عن العنف بشتى تجلياته، تثقف طلبتها بالحقوق والواجبات، وتلغي الأمية القانونية في التشريعات المختلفة لكي يحارب طلبتها التشريعات المجحفة بحق المرأة.
إن بعض التشريعات والقوانين الأردنية حامية للجاني وتحفر قبر الضحية بموادها، فلماذا ما تزال المادة 98 من قانون العقوبات تتصدر هذا القانون؟ ألم يتساءل المشرعون عن سورة الغضب هذه التي يستفيد منها القاتل؟ وما تعريف هذه الجملة الضبابية التي تحيل القاتل إلى بطل «غسل عاره»! علينا مراجعة تشريعات وقوانين كثيرة تلغي المرأة ودورها وإنسانيتها، وتكرس تراتبية مقيتة بينها وبين الرجل. ولنا في الدستور الأردني دليل وهاد، فقد نص على المساواة بين الرجل والمرأة في مادته السادسة بنص صريح لا يقبل التأويل، لذا فعلينا إلغاء كل مادة تكرس التمييز بين الرجل والمرأة، ونستعيض عنها بمواد تحفظ كرامة المرأة وتصون حقوقها.
لا يبرر أي دين القتل وسفك الدماء، وقد وردت في الكتب السماوية آيات كثيرة تحض على الحوار وتنبذ العنف، وتحرم القتل تحريما قاطعا، كما أن لنا في سيرة النبيين الكريمين محمد وعيسى عليهما السلام نماذج مضيئة في حماية المرأة وصون كرامتها، لذا على دور العبادة أن تستنكر مثل هذه الجرائم، وتبين آثار ذلك على المجتمع ونسيجه، وتعزز ذلك بالآيات والأحاديث النبوية. فتدبروا قول المسيح: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر. وهذا رب العالمين يقول في كتابه: «أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». فلندع للحياة ولنحتفِ بها ونصون حقوق الجميع بحياة تحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم، وسنظل ندافع عن أحلامنا.

اضافة اعلان

*المديرة العامة لمدرستي الأهلية للبنات والمطران للبنين