شريط الأخبار

توهمت كما فعل كثيرون غيري أن أزمة حقيقية تواجه إسرائيل لأول مرة في تاريخها وبهذا الحجم مع الكبار غرباً، وخيل لي أنها "وقعت" بين واشنطن وتل أبيب مؤخراً ولن تقوم للتحالف (الأعمى) بينهما قائمة بعد الآن.. هكذا فهمت من الشريط الإخباري الذي تذيل به كل الفضائيات أسفل شاشاتها.

نحن العرب نتحرق لاصطياد خبر يطلق العنان لفرحة مكبوتة فينا خلال ذلك الشريط المتحرك أبداً.. "نتنشق" رائحة خبر يشمتنا بأعدائنا، أو على الأقل ينعش أملنا بأننا ما نزال نحس أو أننا ما نزال واقفين على أقدامنا وفينا بقايا نفس لنسعد بأزمات أعدائنا وعثراتهم، ننتظر أن يظهر ذلك الخبر الغائب ولا يفعل.

نتوه بين التركيز على مشهد درامي في مسلسل أو تصريح لمسؤول أو خطاب لزعيم عربي، ومحاولة التقاط عناوين الشريط.. تتوه عيوننا ونفقد تركيزنا لنكتشف أن لا التصريح ولا الخطاب، ولا حتى المشهد الدرامي، بأرحم من الشريط الإخباري.

"نتنياهو: القدس عاصمة وليست مستوطنة"، "نتنياهو يغادر البيت الأبيض بصمت"، "أوباما ونتنياهو يحاولان تبديد التوترات الأميركية الإسرائيلية"، "مستمرون في بناء المستوطنات"، كل ذلك في شريط واحد على مدى دقيقة.

إذن، أين الأزمة والعلاقات التي في أسوأ أحوالها وإسرائيل تتجاهل بان كي مون ولا أحد في استقباله ومكالمة كلينتون التوبيخية وتسعون دقيقة صعبة في البيت الأبيض. أي الشريطين كاذب!

أخيراً.. مر شريط طويل أمام أعيننا بالحقيقة الجلية (كعين الشمس).. "نتنياهو كسب معركته الثانية ضد أوباما و13 مطلباً أميركياً أفشلت محادثات واشنطن"، لا خبر على الإطلاق "يفش القلب"، حتى مساعينا وإنجازاتنا ومراكزنا في العالم واختراعاتنا ومبادراتنا لا مكان لها في شريط الأخبار (أقصد إن وجدت). أما التنازع والتطاحن وحرب التصريحات العربية وشبهات الفساد وغسيل الأموال والانتهاكات وضم الحرم وملحقاته، وإسرائيل تجاهر بخروجها عن القانون الدولي وجوازاتاضافة اعلان
سفر مزورة.. فتابع ولا حرج!

اكتشفت أن شريط الأخبار هو أيضاً رهين عصر القوة الذي يفرض مفرداته وأخباره وتحليلاته وعناوينه وحتى موجبات التفاؤل والإحباط فيه، على كل ما يحيط بنا، وإلا فما الذي يهوي بشعبية أوباما الى هذا الحد تزامناً مع أزمة واشنطن تل أبيب "على ذمة الشريط الإخباري" وبعد خروج نتنياهو من خطابه أمام لجنة الشؤون الإسرائيلية الأميركية "إيباك"! ثم أتى قانون الرعاية الصحية لينقذ بعضاً من شعبيته المأزومة.

ومن الذي أخرج التصريح البريطاني (الباهت) من أزمة جوازات السفر المزورة حين اعترف مسؤولون بريطانيون (سرياً) بأن طرد الدبلوماسي الإسرائيلي ربما يؤثر في العلاقات، لكنه لن يؤثر على نشاط الموساد في بريطانيا. وقتها "رجا" وزير الخارجية البريطاني إسرائيل "عدم استخدام أوراق ثبوتية بريطانية مجدداً في مثل هذه العمليات" أما في غيرها فربما.

ما يزال الشريط الإخباري يعبر الشاشة بحركة تبدو وكأنها انتزعت من الأخبار روحها، فأصبحت تعدو أمام أعيننا كالروبوت، لا جامع بين كل هذه الأخبار سوى أنها جميعها محبِطة وتدعو للاكتئاب، وإلا فماذا يجبرنا على أن نتجرع صفعات البيانات العربية الصادرة عن رحم التصدعات والغيابات وأزمات اللحظات الأخيرة، والمحاضرات الخمس نجوم.

فيما "نتسمر" أمام الشريط، ما تزال إسرائيل تحافظ على أرفع مستويات لياقتها البدنية وقدراتها التخاطبية مع العالم، ترد على أزمة واشنطن المفتعلة باستفتاء على شعبية أوباما وإشغاله بإخفاقات عديدة أمام الجمهوريين، وتصف، عبر أعضاء كنيست، بريطانيا بأن لها "أكثر من وجه"، (ولن تفلت لندن من فعلتها). وترد على فضيحة (دبي المبحوح) بحرب جواسيس واختراقات أمنية "آن أوان الاعلان عنها"، وتنهي شريط الاخبار لهذا المساء بـ"نتنياهو بعد زيارة غير مجدية لأميركا.. لا تغيير في السياسة الاسرائيلية تجاه القدس".

إسرائيل لكِ أن تخاطبي العالم كما تشائين عبر شريط الاخبار، افعلي ما يحلو لكِ.."احردي" على مسلسل تركي، ثم شدي بكلتا يديك و(لوبياتك) على الادارات الاميركية والاوروبية، وضيقي الخناق على البيت الابيض والاليزيه والتن داونينغ ستريت كيفما اتفق، وغازلي من تشائين من العرب أو الفلسطينيين ورشي على موتنا سكرك، حتى نغيب الى الابد عن أي مكان محترم بين الامم أو حتى في مضمون خبر ينفخ فينا بعضا من روح وسط شريط الاخبار.

[email protected]