شعارات فارغة من المضمون

يتم يوميا تناول محتوى الحملة الانتخابية الراهنة بأدوات واتجاهات متعددة، في وسائل الإعلام وفي مقرات المرشحين وفي الشارع وبين المارة على حد سواء، ويكاد الجميع يتفقون على ضحالة المحتوى السياسي والاجتماعي للحملة الانتخابية.

اضافة اعلان

إلى هذا الحد لا يوجد جديد، فهذا الكلام مكرور وينسحب على وصف مضامين الدعاية الانتخابية التي شهدتها البلاد خلال نحو عقدين، لكن الحالة الصادمة التي تستحق ليس التوقف بل الصراخ بأعلى الصوت تبدو فيما يريد ان يقوله جل المرشحين الثمانمائة للناس وللمستقبل.

الخطوة التي اتخذها التلفزيون الاردني بمنح الاحزاب السياسية ثلاث دقائق، والمرشحين المستقلين دقيقة واحدة للتعبير عن برامجهم الانتخابية بشكل مباشر ومكثف، كشفت بوضوح ومن دون مواربة او تزييف خصائص معظم ممثلي النخبة البرلمانية القادمة، حينما أخرجت الناس من خداع وبريق شعارات الدعاية الانتخابية الفارغة من المضمون في الاصل الى مواجهة مباشرة يكثف بها المرشح خطابه ووعيه في دقيقة واحدة ليقول للناس خلاصة خبرته وماذا في جعبته، كنا نلوم أولئك الحالمين الذين طالما تحدثوا عن تحرير فلسطين من النهر الى البحر، وأولئك الذين طالما وعدوا الناس بهزيمة الفقر والبطالة بضربة معلم، لكن لم نتخيل أن الاقتراب المباشر من الطامحين بتمثيل الناس سيكشف هذا المستوى من الفقر والإفلاس السياسي والاجتماعي.

على قدر ما نلتف به من فيض القضايا العامة التي تلفنا من أخمص القدم حتى شعر الرأس تبدو المناقشات العامة من دون قضايا حقيقية، ويبدو هذا الإفلاس الاجتماعي قبل السياسي عنوانا للنخبة القادمة، لا يكفي الامر بالتندر بالشعارات والمنشورات الدعائية المطبوعة، بل ان الاستماع لهذه الخلاصات يعني نعيا مبكرا للنخبة القادمة.

ما يطرح السؤال المركزي بقوة لماذا ابتعدت النخب التي يمكن أن تمثل الناس وتدرك حاجات البلاد وفضلت العزلة أو التندر بما يحدث هذه الايام؟ لا حكومات قادرة على الاعتراف او الممارسة الجريئة في إعادة ضبط عقارب تمثيل الناس وأولوياتهم، ولا المعارضة والمجتمع المدني يملكان رؤية واضحة وقدرة على وصف دقيق للقضايا التي يفترض أن تدور ممارسة السياسة حولها.

في المجتمعات المتحولة، كما الحال في الأردن، يصعب الرهان على الإرادة الشعبية وحدها في ضمان الانتقال السلس والتجدد للنخب السياسية، بل يتطلب الأمر من الدولة التي تحتاج لحماية مصادر الاستقرار وتنويعها، أن تكون اللاعب الأساسي في تجديد النخب في كل مرحلة.

ولعل هذا المطلب في الحالة الأردنية هو أحد مصادر الاستقرار، الذي يجب الالتفات اليه بعد أن أفلس طيف واسع من النخب التقليدية من القدرة على الإجابة عن أسئلة المجتمع والدولة ذاتها، في ضوء تقادم خبراتها وعجزها عن التكيف الايجابي مع المتغيرات. الفراغ يولد الفساد والرداءة، يحدث هذا في النخب الرسمية والاهلية والمنتخبة ايضا، والسياسة كالطبيعة لا تقبل الفراغ هي الاخرى، وإذا لم يعمل عقل الدولة على الاحلال بدل الانحلال سوف تأتي الانتخابات القادمة وسنعيد نشر ما نكتبه اليوم حيث ستتكرر نفس الوجوه ونفس الشعارات.

[email protected]