شعب أسير كلُّه..!

أحيا الفلسطينيون وأنصارهم هذا الأسبوع "يوم الأسير الفلسطيني"، وسط الأخبار اليومية المعتادة عن مزيد من الاعتقالات في فلسطين المحتلة على مدار الساعة، وعلى مدى عقود. والمناسبة رمزية في الأساس، تهدف إلى التعبير عن التضامن مع المناضلين الأسرى في سجون الاحتلال. ويأتي هذا التعبير عن التعاطف مقطوع الأطراف، ومجرداً –كالعادة- من أي أدوات عملية للتخفيف من معاناتهم أو وعدهم بالحرية في أي وقت قريب.اضافة اعلان
حال الأسرى الفلسطينيين من حال شعبهم بأكمله. وقد عبر الكاتب البريطاني عن الراهن الفلسطيني، حين كتب في تعليقه على الأحداث الأخيرة في المنطقة: "هذه لحظة بالغة السوء في تاريخ الشرق الأوسط –و، كما هي العادة، سيكون الفلسطينيون هم الذين سيعانون، وقد نُسيت مأساتهم تماماً وسط هذا الجنون". لكنهم في الحقيقة ليسوا منسيين –إلا من الخير. فكما هو معروف، يجري استغلال متغيرات المنطقة لتصفية القضية الفلسطينية وتأبيد الأسر الفسطيني، بتواطؤ الغرباء والأقرباء على حد سواء.
مع أن الفلسطينيين الموجودين فيزيائياً في سجون العدو هم أكثر مَن يعانون، فإنه ليس هناك فلسطيني واحد ناجٍ من خبرة الأسر بطريقة أو بأخرى. هناك عشرات الآلاف الذين سجنوا وأمضوا مدد أحكامهم وخرجوا أو توفوا في سجون الاحتلال. وهناك ما لا يُحصى من الفلسطينيين الذين زاروا الزنازين في مختلف المنافي، على أساس نشاطهم النضالي كفلسطينيين. وهناك ملايين الفلسطينيين المسجونين في الوطن المحتل كله الذي لا يعدو كونه سجناً مفتوحاً كبيراً، سواء بتقييد حركتهم الفيزيائية، أو بإذلالهم والتحكم بكل تفاصيل عيشهم اليومي. وهناك ملايين الفلسطينيين المسجونين خارج الوطن أيضاً، الذين يستطيع بعضهم السفر إلى أي مكان سوى المكان الأثير، بينما لا يملك بعضهم حتى وثيقة تسمح له بعبور أي حدود خارج موقع منفاه الضيق.
تداول ناشطون مؤخراً لقاء أجرته إعلامية مع فلسطيني مصلوب على معبر غزة مع مصر. قال إنه عاد إلى غزة من قطر ليرى والده الطاعن في السن، لكنه لم يستطع الخروج من القطاع منذ أيار من العام الماضي. وأصبحت إقامته في قطر على وشك الانتهاء في أيار القادم ورقمه على قائمة دور الخروج فوق الثلاثين ألفاً. بكى الرجل على المعبر، وقال إنه ندم على العودة إلى غزة –ليس لأنه عاد ليرى أباه، وإنما لأنه علق ولم يستطع العودة إلى أولاده في قطر. ويقول إنه دفع مبلغاً كبيراً حتى يخرج، ونصح الآخرين بعدم العودة إلى غزة/ الوطن. وفي هذه المفارقة بين الوطن والمنفى، والأسر والحرية، شيء صغير فقط عن وجيعة الفلسطينيين.
الفلسطيني أيضاً، من أي عمر وفي أي مكان، أسير حتمي لفلسطينيته. إنه يولد ويكبر مع الشعوب باللاعادية، سواء بالعيش في وطن محتل تحت سلطة الغرباء الوحشيين أو في منفى إجباري، أو من حيث الشعور المؤلم بالقهر أمام الظلم الذي يمارس ضد شعبه على رؤوس الأشهاد وبمراقبة كل العالم، أو بحرمانه من معظم الفرص الطبيعية التي تتاح للناس في أوطانهم وتحرَّم عليه. وفوق ذلك كله، يعاني الفلسطينيون من قيادات فقدت البوصلة وأجهضت نضالهم الطويل، ومن كثرة الذين يتاجرون بقضيتهم ويقايضون بهم لمختلف المصالح.
قبل الكيان، كان الفلسطينيون أسرى الانتداب. وبعد الكيان، كان كل فلسطيني وعلى مدى أجيال أسيراً بشكل ما، لسلطة قاهرة ما، في انتظار معجزة لم تصل.