"شعرة معاوية" مع سورية!

تصريحات رئيس الوزراء فايز الطراونة، من التشيك، حول الوضع في سورية، بالرغم من غموضها، إلاّ أنّها تشي بإرهاصات تطور جديد في الموقف الرسمي الأردني تجاه العلاقة مع النظام السوري والثورة السورية.اضافة اعلان
الطراونة (وفقا لخبر وكالة الأنباء الفرنسية)، بعد لقائه بنظيره التشيكي، قال "إن الحوار لم يعد الحل للأزمة السورية وعلى مجلس الأمن التدخل". واقعياً، لا تخرج تصريحات الطراونة عن حدود المواقف الأردنية خلال الفترة الماضية، والتي بقيت ملتزمة بالأجندة الدولية والعربية، ودعمت كل قرارات الجامعة العربية ضد النظام السوري. مع ذلك، فإنّ المطالبة بتدخل مجلس الأمن، تمثّل –في نظر المراقبين- خطوات جديدة تجاه حسم الأردن رهاناته نحو الوضع السوري.
خلال الفترة الماضية، حاول صانع القرار الأردني الإبقاء على "شعرة معاوية" مع النظام السوري، برغم الحملة الإعلامية والسياسية السورية، بل بدأ بعض المسؤولين في مواقع القرار العليا، قبل أشهر قليلة، ومع تراجع فرضية التدخل العسكري الخارجي، يدفعون نحو إعادة ترميم العلاقات بنظام الأسد، وبالدعوة للتضييق على المعارضة السورية في الأردن، وعلى نشاطاتها المختلفة، وهي قراءة سرعان ما تصدّعت أمام تصدّع المؤسسة العسكرية والأمنية، وارتفاع منسوب الانشقاقات النوعية هناك.
اليوم، ما يدفع إلى الشعور بأنّ هنالك إرهاصات لتطور في الموقف تجاه سورية، سياسياً ودبلوماسياً في المرحلة الأولى على الأقل، هو تصريحات الطراونة الأخيرة، التي تتزامن مع طرد السفير السوري من المغرب، وانشقاق السفير السوري في العراق، وتزايد حركة الانشقاقات داخل الجيش السوري، والأخطر من ذلك اتهامات رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية لكل من الأردن وتركيا بالسماح بتسلل المسلحين إلى سورية، وهي تصريحات تستبطن النظرة الحقيقية لدى طهران وسورية نحو الأردن، ما يعني أنّ ما يجري على السطح من محاولات تجنب المواجهة المباشرة سياسياً ودبلوماسياً، لا تخفي ما يضعه الطرفان في بطنيهما تجاه الآخر!
بالضرورة، لا نتوقع تحولات دراماتيكية في العلاقة بين الدولتين، بقدر ما ستشهد تصعيداً سياسياً وإعلامياً متبادلاً، ونتوقع حسماً من صانع القرار الأردني لرهاناته تجاه ما يحدث في الشمال، من دون التورط في احتكاك أو مواجهة عسكرية مباشرة معه. وهو موقف كان من الطبيعي أن نصل إليه ضمن دائرة التحالفات الإقليمية والدولية التقليدية، لكن دلالته الأساسية أنّه يحمل في طياته قناعة جديدة لدى مطبخ القرار في عمان بتلاشي فرص نجاة النظام السوري أو بقائه على قيد الحياة مدّة طويلة!
إنسانياً وأخلاقياً، نأمل أن ينعكس ذلك على ملف التعامل مع الضيوف واللاجئين السوريين، وتحديداً بعد سياسة وقف التدفق الهائل، إذ أصبح الأردن خلال الأشهر الماضية المنفذ الوحيد للأشقاء، بعد أن أغلقت أغلب السفارات العربية والغربية أبوابها أمامهم، فلا بد من الموازنة بين الاعتبارات الاستراتيجية والإنسانية.
إلى اليوم، يبدو عدد اللاجئين السوريين في ازدياد، فهنالك من يتحدث عن 135 ألفا، ومن يتحدث عن مائتي ألف، فيما تشير التقديرات الرسمية أنّ ارتفاع منسوب الفوضى والعنف والقتل والتدمير سيضاعف عدد اللاجئين إلى قرابة مليون نسمة!
من الواضح أنّ الحسابات الأردنية بدأت تختلف تجاه سورية، وضغوط ما يحدث لدى الجارة الشقيقة تزداد سياسياً وإنسانياً واقتصادياً. ولعلّ ما يميز الموقف من الأوضاع في سورية هو تقارب السياسات الرسمية مع الرأي العام، حتى إن اختلفت الدوافع والأسباب وراء ذلك!

[email protected]