شكرا "مؤسسة شومان"

ما تقوم به مؤسسة عبد الحميد شومان من نشاطات ثقافية حقيقية، خصوصا في السنتين الأخيرتين، يجعلنا نقف أمام المؤسسات التعليمية والثقافية الأهلية ودورها الخلاق في متابعة الشؤون والقضايا والتطورات على الساحة السياسية والإنسانية والاجتماعية، مقارنة بما يجب أن تفعله مثيلتها الرسمية التي وللأسف الشديد لا تتابع عملها بالشكل المطلوب، بل وإن فعلت فإنها تسيء لمهمتها أكثر!

اضافة اعلان

فالثقافة، على سبيل المثال، لا تنحصر في التسويق الغنائي لمن هب ودب، وحفلات المهرجانات التي أصبحت مملة وباهتة. والنشاط الثقافي في بلدنا يحتمل أن يتعدى زيارات المراكز "الثقافية" ودورات تزيين الزهور في الجمعيات.

ثم وهذا الأهم أن العمل الثقافي والإبداعي في الأردن عليه فعلا أن يتجاوز فكرة مساهمات المسؤول وفي رفد الثقافة المحلية والعربية والعالمية، حراكاته في المحافل التي يختار أن يلبي دعوتها حسب مزاجه، ومواقفه الشخصية من المنابر والشخوص الثقافية داخليا وخارجيا.

أمس، أقامت المكتبة، على سبيل المثال، لقاء نادرا مع معجزة الرياضيات "أران فرنانديز" تحت عنوان "الرياضيات أكثر جمالا من الفن وأكثر يقينا من العلم" بإدارة الدكتور شاهر المومني. وهذه إضاءة حديثة على عالم الثقافة يخرج من إطار اللوحات الزيتية ويغادر كواليس المسارح وشاشات السينما ومنصات التكريم إلى عوالم أخرى كنا نعتقد أنها علمية جافة لا يصح للثقافة أن تنتهكها!

واليوم أيضا سوف يعرض الفيلم الأذري "نبات" للمخرج التشين موساوغلو في سينما شومان، ضمن حراك المؤسسة الحثيث نحو تثقيف المواطنين بشكل آخر من السينما والتي لم يعتد الاقتراب منها لأسباب شخصية تقوم على الكسل والاكتفاء بالموجود، وأسباب أخرى خارجية تتحمل مسؤوليتها القطاعات العامة والخاصة المنوط بها العبء الثقافي، والتي وللحق انشغلت طوال السنين الماضية بالعبء، وأجلت موضوع الثقافة إلى يوم آخر!

الالتباس الحاصل في الوسط الثقافي والإبداعي عندنا، للحقيقة استطاعت مؤسسة عبد الحميد شومان أن تتحرر منه في الوقت المناسب، مستعينة بطاقم لوجستي وبشري بديع استطاع وبوقت قياسي أن يعيد الاهتمام الأردني إلى ملعب الثقافة؛ السينما والرواية والشعر والمسرح. إنها مهمة وطنية بامتياز حين يتعلق الأمر بروح ووجدان الشعب الذي يمر بمرحلة الخواء الروحي والخلاء المعرفي لانشغال بقية حواسه منذ أمد بعيد، بلقمة العيش وظل الأمان.

الجميل أن نشاطات المؤسسة العريقة لا تغفل عن قضية المقابل المادي للاستمتاع بها، فهي إن لم تكن مجانية فإنها على الأكثر برسوم رمزية، ناهيك عن أنها ممتدة على طول البلاد وعرضها لتخدم أكبر شريحة ممكنة من محبي الثقافة ممن لا يقدرون على تكلفتها.

هذا المثال الصارخ في الجمال واللطف والانسيابية، ما الضير أن يعمم على الدوائر الثقافية والمؤسسات التابعة لوزارة الثقافة، ما دام الأمر لا يحتاج لأكثر من ضمير حي ونفس طويل وعشق للثقافة ومأسسة في التوجيه؟ ألا يمكن أن يخرج التفكير من صندوق الترفيه الثقافي الصيفي والموسمي؟ ألا يستحق الباحث الأردني عن الثقافة بعض وسائل الاستزادة المجانية كالمكتبات المتنقلة والسينما المجانية والعروض الفنية المرتحلة، بدل أن ندفع به دفعا نحو الهروب من أصوات النشاز وطبول الصيف ومونديال التمايل على المدرجات؟!

الذي تقوم به مؤسسة شومان ليس إعجازا يستحيل اللحاق به أو نقل تجربته، لكنه وعلى بساطة مخرجاته، يحتاج إلى قرار حاسم ينقذ الواقع الثقافي للمتلقي، نتمنى على معالي بسمة النسور أن تتخذه، إن لم يكن من واقع مكانتها الأدبية والثقافية، فليكن من حقيقة أنها فرصة بأن يستلم المكان شخص يعرف ماذا يحدث "قبل الأوان بكثير"!