شكسبير في بغداد: الزيجات العابرة للطائفية

لور ستيفان – (لوموند) 30/4/2012
 ترجمة: مدني قصري
ماذا لو كان روميو وجولييت لا يتحدثان اللغة الانجليزية، وأصبحا يتحدثان اللغة العربية؟ وماذا لو كان مصير العاشقين الولهانين لا يرتسم في مدينة فيرونا، وإنما في بغداد؟ وماذا لو كان البطلان لا ينتميان إلى عائلات متخاصمة، وإنما إلى طوائف دينية مختلفة اصطدمت ميليشياتها في اشتباكات ومعارك قاسية بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وانزلقت تدريجيا نحو الحرب الأهلية؟اضافة اعلان
إنه رهان المخرج العراقي داود منزّل الذي يوقّع "روميو وجولييت في بغداد"، في اقتباس جديد لأعمال شكسبير. فبقلم هذا المخرج أصبح روميو شيعيًا وأصبحت جولييت سنية. فالشوارع لا تستعر بين عائلتي كابوليت ومونتيجو، ولكنها ترتعد خوفا من أعمال تنظيم القاعدة، أو جيش المهدي.
إن العاشقين لا يموتان في انقلاب مأساوي مفاجئ، فروميو العراقي يُسمّم نفسه عندما يعتقد بأن جولييت العراقية قد فارقت الحياة، وتطعن هي نفسها بالخنجر عندما ترى روميو ميتا. لا مكان إذن للرومانسية بين العاشقين. فقد قُتل البطلان في انفجار الكنيسة التي لجآ إليها في خضم الجحيم العراقي القاسي. ويقول أحمد صلاح، الذي يمثل دور روميو في هذه المسرحية: "أريد أن أنقل رسالة معاناة الجيل العراقي (الشاب)، وتجربة الحب".
ويأتي النص ليكون أشبه بتكفير عن الكابوس العراقي الذي ما تزال أهوالُه تتواصل في شكل هجمات انتحارية وجثث متناثرة. وقد اقتبس المخرج العراقي هذا النص الشكسبيري وعرضه على المسرح القومي في بغداد، قبل العرض الأوروبي الأول، يوم الخميس 26 نيسان (أبريل) في ستراتفورد أوبون أفون، مدينة الكاتب المسرحي الذي خلد روميو وجولييت.
ويروي هذا الاقتباس أيضا كيف تجمدت العديد من الهُويات في العراق المدمَّر، وهو ما جعل متعذراً اليوم ما كان شائعا حتى العام 2003، أي الزواج المختلط بين أفراد من السنة والشيعة، هذين الفرعين من الإسلام. وفي محاولة منها للسيطرة على الانغلاق الطائفي في أعقاب أعمال العنف الطائفية التي حدثت في العام 2006، سعت السلطات العراقية إلى تقديم مكافأة مالية قيمتها 2000 دولار لكل زوجين من الطائفتين السنية والشيعية يحتفلان بقرانهما. وكان الهدف من هذه المكافأة أيضا هو محاربة الطائفية التي خلقتها الفصائل المتطرفة من كل طائفة دينية. ومنذ العام 2009، صارت العودة إلى مثل هذا الزواج المختلط تلقى الترحيب من قبل المراقبين، كمؤشر على التغيير الإيجابي الجاري على الأرض العراقية.
وفي أماكن أخرى في المنطقة، يوصف التزاوج المختلط كدليل على التماسك المجتمعي، وكعقدة شرقية لا تفسرها القراءات الطائفية الصرفة. ففي البحرين حيث السلطة الحاكمة تواجه احتجاجا شعبيا منذ شباط (فبراير) 2011، صار المعارضون والموالون للنظام يقَدّمون عن طيب خاطر كل الثناء للزواج بين أهل السنة وأهل الشيعة، وهما الطائفتان الأساسيتان في هذه المملكة الخليجية الصغيرة. وهناك، تريد المعارضة التي تتشكل قاعدتها الأساسية من الشيعة إثبات أن التحليلات القائمة على الطابع الديني غير صحيحة البتة. ويسعى أتباع العائلة المالكة السنية لإثبات أن الوحدة ما تزال قائمة، على الرغم من الشرخ المتولد عن تفاقم الصراع.
وما انفك هذا الشرخ، في رأي بعض هذه الزيجات المختلطة، يكبر ويتفاقم منذ اندلاع الانتفاضة ضد النظام. وتقول عبير، وهي شابة بحرينية:"زوجي شيعي، وأنا سنية، وأؤيد المعارضة. والحوار أصبح عويصا مع عائلتي. إنهم يعتقدون بأنني أعرّض أهل السنة للخطر. هذه المواقف لا معنى لها. فالخيارات خيارات ذات طابع سياسي، وليست خيارات دينية".
وفي سورية أيضاً، ما يزال الشباب المثقف يهاجم الصحافة الغربية التي يتهمها بالاستهانة بالموضوع، وبتحليل التوترات المتفاقمة من زاوية طائفية خاطئة. ويسلط هؤلاء الشباب الضوء على القرانات السعيدة بين العلويين (فرع منشق عن المذهب الشيعي) وبين السنيين، وبين المسلمين والمسيحيين...
ما أثقل الحمل حين يصبح رجل وامرأة، بحكم قرانهما، رمزا لوحدة المجتمع! وهذا هو الدور الذي كان يتفق حوله الأزواجُ والزوجات بسهولة في لبنان قبل الحرب، وهو الزواج بين الطوائف أو الأديان، الذي كان يجسد انسجاما مثاليا قبل النزاع الذي دمّر البلاد على مدى خمسة عشر عاما.
في نظر الشباب، لم يعد لدى الرُوميوهات والجُولييتات الذين لا يملكون في الفضاء الذي أعيد تشكيله وفقا لمخططات طائفية، وتفاقمت فيه التوترات بين السنة والشيعة منذ العام 2008، سوى أن يخنقوا ويكبتوا علاقاتهم العاطفية، وقد أصبح هؤلاء يتكاثرون بصورة مثيرة. هذا فيما يقاوم آخرون، فيختارون الزواج المدني (المحظور في لبنان) والذي يعقدونه في الخارج، أو يلجأون عن طيب خاطر إلى طقوس دينية شكلية لإرضاء "كابوليت ومونتاغو" المعاصرين. مع الحلم بعلمانية لبنانية تنتصر على قيود الهوية في النهاية.


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Shakespeare in Bagdad