شهادة ومكان الولادة تحدد مصيرك

ثمة مكتسبات أو خسائر تلقائية يمكن تقديرها بدرجة عالية من الكفاءة والدقة بمجرد معرفة الاسم ومكان الولادة لأي مواطن؛ هي مكتسبات تقرر حياة الإنسان ومصيره، ومصير أبنائه وأحفاده، وبرغم أن ثمة فرصا عملية ممكنة ومتاحة للخروج من هذه الدوامة اللعينة، لكن يجري (ويا للهول) حراستها وإدامتها بمنظومة هائلة من السياسات والتشريعات والتطبيقات المصممة لأجل "الهيمنة المستدامة".. وعلى نحو بسيط وواضح يمكن لأي واحد أن يتوقع مسار حياة أولئك الأطفال الذين ولدوا هذا العام في الأردن، فأن يكون هناك مائة ألف مواطن تقريبا يعيشون بمستوى من الدخل يقل عن دينار ونصف يوميا، يعني أنهم لا يحصلون على غذاء كاف ولا مأوى مناسب للإقامة والعيش، وأن الأطفال الذين يولدون في هذه الأسر لن يجدوا فرصة للتعليم والتغذية السليمة وتلقي المطاعيم الصحية الكافية؛ هكذا نتحدث عن خمسين ألف طفل، عشرهم لن يصل إلى سن الخامسة بسبب الظروف المعيشية غير الملائمة لاستمرار الحياة، والباقي يتوقع أن يكونوا قد ماتوا قبل بلوغهم الخمسين بسبب سوء التغذية وفقر الدم، والفرص العالية لإصابتهم بأمراض جسدية وعقلية ونفسية بسبب ضعف أجسامهم، ونقص العناصر الغذائية الرئيسة للصحة، وهشاشة البيئة التي نشؤوا فيها، أو بسبب عدم تحصينهم من أمراض يمكن تجنبها بسهولة، مثل الشلل والجدري، ولن يجدوا فرصا كافية للتعليم وربما لن يذهبوا إلى المدرسة؛ ما يعني أن فرصهم في العمل سوف تضمن مواصلة الفقر المدقع لهم ولأبنائهم من بعدهم، وبالطبع فإن مشاركتهم الاجتماعية والسياسية في مجتمعاتهم وأوطانهم سوف تكون معدومة، وربما يكون الاهتمام الوحيد لديهم في الحياة السياسية والعامة هو محاولة بيع أصواتهم في الانتخابات النيابية والبلدية. وفي مقابل هؤلاء المواطنين هناك آخرون يمكن التقدير أيضا ببساطة لمسارهم ومصيرهم بمجرد الاطلاع على شهادة ولادتهم، فهم سوف يتلقون تغذية كافية وعناية صحية تجعل عمرهم المتوقع يصل إلى 90 سنة، ويستبعد إصابتهم بأمراض سارية أو قاتلة بسبب العناية الصحية والتغذية الجيدة والظروف الملائمة للعيش التي يعيشون فيها، حتى نسبة تعرضهم لحوادث المرور لا تزيد على 25 في المائة من نسبة تعرض المواطنين من الفئة الأولى، وهم أيضا سوف يتلقون تعليما متقدما منذ سن الثالثة، وسوف يكون في مقدورهم في سن السادسة عشرة الحصول على مهارات معرفية وحياتية ولغوية تفوق بأضعاف مضاعفة خريجي الجامعات الأردنية الذين تعلموا في مدارس حكومية، بمعنى أنهم يملكون فرصا أفضل بكثير من المحظوظين في بيئات الأقل حظا، ممن استطاعوا أن يكملوا تعليمهم المدرسي والجامعي. وهم أيضا تعرضوا لتجارب في أثناء حياتهم وتعليمهم أتاحت لهم خبرات وآفاقا في الاختيار والإدراك لم تصل إليها التجارب التي امتلكها رفاقهم وأساتذة وآباء رفاقهم؛ ما يجعلهم قادرين على الهيمنة على فرص مواصلة تعليم أفضل وعمل أفضل وحياة أفضل. إن وظيفة الدولة الأساسية هي ضمان الحصول على تميز أو وضع مستمد من تنافس عادل على الفرص والموارد بين جميع المواطنين بلا استثناء لأحد، وحين تكون لا مساواة بعد ذلك، فهي وضع إيجابي (يفترض) أن تجعل أصحابها قادرين على تحويل هذه "اللامساواة" إلى منفعة مشتركة يلمسها جميع المواطنين، .. وبغير ذلك فإن تراكم التهميش والإقصاء على مدى الأجيال ينشئ انقساما اجتماعيا خطيرا، ولن يكون في مقدور القلة المحظوظة أن تنهض بالأعمال والأسواق والنمو الاقتصادي من غير مشاركة حقيقية وعادلة! وبالضرورة فإن احتكار الموارد والفرص والمكاسب سوف يقلل مصادر وموارد الفرص حتى لـ "القلّة" الأوليغارشية!اضافة اعلان