"شورت" في الحرم الجامعي!

هذا واحد من المقالات التي كنت أتمنى أن أكتبه باللهجة العامية، ليتسنى لي التعبير "براحتي" حول هذا الموضوع المصيري الاستراتيجي العظيم، الذي يتوقف على مخرجات حواراته الدائرة، ونقاشاته المتصاعدة على صفحات التواصل الاجتماعي، مصير قضايا وطننا العالقة، وتتحدد على أساسه الأخطار التي تتهدد أمتنا العربية والإسلامية. الموضوع يتلخص بكلمتين: "شورت" أو "فيزون"!اضافة اعلان
تخيلوا إلى أي هاوية ثقافية وفكرية وحوارية، وصل إليها شباب جامعاتنا المتعلم الواعي، أمل الدولة ومستقبل الأمة؟ تخيلوا كيف ونحن لم نعبر بعد فوق فوهة بركان أشعله وعلى افتعال، حماة الدمار المجتمعي، والمتمثلة بالعنف الجامعي، كيف ونحن نقيم الموائد المستديرة، وندعو إلى ندوات ومؤتمرات وقرارات، لنبذ هذه الآفة الاجتماعية السياسية الخطيرة، ثم نجد أنفسنا فجأة في مواجهة "حرب" جديدة بين دعاة ارتداء الفيزون في الجامعات، والدعاة إلى منعه ومنع دخول الطالبات عبر بوابات الجامعات بالفيزونات، لترد جماعة الحفاظ على هيبة الفيزون بالتلويح بتصعيد الأمور، وهنا كلمة تصعيد تحمل معنيين متداخلين، بحيث يرتفع منسوب الفيزون إلى ما فوق فوق الركبة، ويهددن بالدخول إلى الجامعة بالشورت!
شورت في الحرم الجامعي؟ ومن قبله فيزون ضيق تعلوه كنزة يكاد ما تحتها يختنق بفعل العصر والحشر الممنهجين؟ أهذا هو مفهومكن للأناقة والجمال والتميز بين بقية الطالبات، أم أنه إغراء مفتعل ومكشوف، أعتقد أنه سبب رئيسي لتنامي طاقة العنف بين الشباب؟
ما يقلق في هذه المسألة هو أنها باتت قضية رأي عام بين ليلة وضحاها، وكأن طلابنا وطالباتنا الذين أنهكوا جيوب أهليهم وكسروا ظهورهم، لتأمين أقساطهم الجامعية، لا يشعرون بما يجري حولهم من تحولات اقتصادية واجتماعية في البلد، تمسهم هم بالدرجة الأولى، وتؤثر على مستقبلهم المجهول الذي لا يعلم بشكله إلا الله تعالى. ما يحزن القلب فعلا أن الجامعة كانت ولزمن غير بعيد ولادة القيادات السياسية والحزبية والفكرية الكبيرة، والتي صنعتها حوارات عالية المستوى واسعة الآفاق،  حيث كان الوطن هما شبابيا مشروعا، كيفما كانت الزاوية التي يرونه عبرها، حتى لو اختلفت وتباينت الأفكار والمواقف، لكن الهم الوحيد كان وطنيا وأكاديميا ومحترما جدا.
كيف يستقيم النقاش أو الحوار، إذا صحت تسميته كذلك، ثم ينحدر إلى هذا المستوى السخيف من التطلعات والأهداف والآمال؟ لست ضد ممارسة الحرية الشخصية أبدا، لكن على ألا تكون سيفا مسلطا على مفاهيمنا العقائدية وأعرافنا التي تربينا عليها. الشورت والفيزون والميني جيب والظهر المكشوف، "ملابس" لها أماكنها المخصصة، لمن ارتأت أنه يناسبها، لكن ليس في الحرم الجامعي أكيد، والحديث المطول حول هذا الموضوع، أيضا ليس في الحرم الجامعي أكيد.
متى تحول شبابنا وكيف تمت عملية التحول؟ والسؤال الذهبي هو: لماذا هذا التحول؟ موضوع يدعو للقلق ويجعلنا نفكر بأنفسنا أولا، كأهال ربما نكون قد مارسنا نوعا من الارتخاء نحو أولادنا وبناتنا. لكن لا! أعرف كثيرا من الأهالي ممن ذاقوا الأمرين لينعم أولادهم وبناتهم بفرصة التعليم الجامعي، لا أعتقد أنهم يعرفون ماذا يجري خلف ظهورهم. وأنا متأكدة من عبارة خلف ظهورهم تلك، رغم ادعات البعض أن "بابا بيعرف"!
أظن أن المسؤولية الآن ملقاة بالكامل على رؤساء تلك الجامعات وعمداء كلياتها، وبالتالي على وزارة التعليم العالي. لسنا بحاجة إلى مهندسين ومحاسبين ومحامين أفذاذ، طالما لم يعبروا أولا عنا وعن قيمنا وتربيتنا وحسن سلوكنا. فالوطن لا ينقصه أنصاف وأرباع الرجال. والصورة التي يصر البعض على إيصالها مهترئة، عليكم إعادة ترميمها بأي وسيلة كانت.

[email protected]