شيرين أبو عاقلة.. خسارة شخصية..!

علاء الدين أبو زينة يوم حزين آخر من أيامنا الفلسطينية الحزينة. كان خبر استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة بالأمس مؤلماً جداً كما هو فقدان قريب وعزيز. ولا أعرفها شخصياً، لكنها دخلت بيوتنا كثيراً كراوٍ موثوق يتواجد في موقع الحدث ليُطلعنا على الفصول الدموية المستمرة من الحكاية الفلسطينية الحزينة في الوطن المستعمَر. كان اغتيالها اغتيالاً لجزء آخر من الروح الفلسطينية المستهدفة، برموزها وكل المنتمين إليها. وهي أيضاً زميلة مهنة، عاشت متاعبها الحقيقية وليس الخطابية، بخلافنا نحن صحفيي المكاتب، لأنها عملت دائماً في نقاط الخطر، وسط الاشتباك وأمام بنادق المحتلين الوحشيين. حاول القتلة الذين استهدفوها بدم بارد كتم صوت آخر من أصوات الفلسطينيين التي لا يمكن كتمها. وأرادوا مرة أخرى إظهار أنهم لا يبالون بأي تبعات أو ضجة ربما تترتب على قتل صحفية في مؤسسة معروفة، ناهيك عن قتل الفلسطينيين العاديين يومياً. ولن يبالوا وهم يعرفون أنهم محصنون من المحاسبة وفي صفهم كل القوى التي تحترف النفاق المطلق. كانت شيرين هي الشهيد الفلسطيني الثامن والخمسين في هذا العام. لكن الصهاينة أرادوه قتلاً مدوياً، يقول بصوت عالٍ إن أي فلسطيني هو هدف مشروع للكيان القاتل، حتى لو كانت كلمة «صحافة» مطبوعة بحروف كبيرة على خوذته وسترته الواقية من الرصاص. ولم يخجل عضو الكنيست الكاهاني المجرم المتطرف، إيتمار بن غفير، من امتداح قتل الصحفية الفلسطينية، وقال إن الصحفيين الفلسطينيين يجب أن يُستهدفوا بالرصاص لأنهم يعيقون عمل الجيش. وزعمت مؤسسة الاحتلال أن قتل الصحفية كان رداً على إطلاق نار في اشتباك أكد الجميع أنه لم يكن موجوداً. ولا يجانب العدو الصهيوني المجرم الحقيقة حين يساوي بين الكاميرات والبنادق، لأن استهداف حقيقة جرائمه بالكشف والإعلان يُظهر كم هو كيان ميت القلب والضمير، ومجرد من المشاعر والمظاهر الإنسانية، ومنتمٍ بالتكوين إلى الشياطين وكائنات الشر المطلق. يردد بن غفير فقط نفس الخطاب الصهيوني الذي لا يخجل ولا يتردد في التحريض على قتل الفلسطينيين علناً. وقد سبقه المحرض الكاهاني، بتسلئيل سموتريتش، حين غرد عن البنت الفلسطينية الشجاعة، عهد التميمي، فكتب: “في رأيي، كان يجب أن تنال رصاصة، على الأقل في رضفة الركبة”. ومن الواضح أنه كان يفضل لو كانت الرصاصة في القلب. لا كلمات يمكن أن تصف الألم الذي يتراكم في قلب كل فلسطيني حقيقي، وعربي حقيقي وإنسان حقيقي مع كل روح فلسطينية تُزهق عدواناً وعمداً بلا تمييز ولا اعتبار. لكن الشعور الذي لا ينبغي الخجل من إعلانه هو الحقد المرير الخالي من الشفقة على كل فرد من أفراد الكيان الصهيوني الاستعماري الغاصب الموجود بكلفة الدم والعذاب الفلسطيني على الأرض المسروقة، بلا استثناء أيضاً. وثمة سبب جديد أيضاً للكراهية المشروعة لكل مَن يضفي الشرعية على الكيان القاتل ويصادق، علنا وضمناً، على جرائمه الفريدة في شموليتها وتنوعها ووحشيتها في حق الفلسطينيين، والعرب الشرفاء والإنسانية. اليوم، تتركز الدعوات على طلب تحقيقات والاحتجاج لدى المؤسسات الدولية على قتل صحفية. ويذكِّر الكثيرون بأن شيرين أيضاً مواطنة أميركية، علّ ذلك يحرّك العاطفة القومية لدى الأميركيين فينتصرون لمواطنتهم. لكنّهم لم يحركوا ساكناً حتى عندما قتل الصهاينة بدم بارد مواطنتهم «الأصلية»، شهيدة فلسطين راشيل كوري، دوساً بجرافة. وكان ما يقوله استشهاد راشيل، وشيرين، ومئات الآلاف من الفلسطينيين الذين رحلوا والذين ينتظرون، هو أن الطريقة الوحيدة لوقف شلال الدم الذي يسببه القتلة الصهاينة هو انتهاء الاحتلال الاستعماري ومؤسسته ورحيله عن الأرض الفلسطينية. والطريق إلى ذلك واضح الآن كما كان كل الوقت: المقاومة المتصاعدة بكل الوسائل وبأكثرها شدة، والانتقال من موقف الدفاع البائس إلى الهجوم –حتى لو بدفع حفظ البقاء المشروع للكائنات. نعزي أنفسنا، كصحفيين، ومؤمنين بقدسية الحقيقة والحق الفلسطيني، بفقدان شيرين أبو عاقلة. وسوف تبقى محفورة إلى الأبد في الذاكرة الفلسطينية مع بقية الشهداء الخالدين في ضميرنا والعزيزين جميعاً. وسوف يؤكد استشهادها المؤكد من إصرار الفلسطينيين على مواصلة الاشتباك المفروض معهم كصراع وجودي، حتى ينتهي حتماً كما هو طبع الحق والتاريخ. ويعرف العدو، وحلفاؤه ومشايعوه فاقدو الضمير، ومهما اشتد القتل والوحشية في حق الفلسطينيين، أنه لا يضيع حق وراءه مُطالب. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان