شُغُل عصابات

يصر بنيامين نتنياهو، من حين إلى آخر، وبوتائر متقاربة، على إثبات عنصريته الدموية ضد الشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة العربية، ولكن لديه استهداف شرس خاص، ضد فلسطينيي 48، الذين أسماهم في ماض قريب "الخطر الوجودي الأكبر على إسرائيل". وهو لا يجد حرجا، في أن يكذب ويكذب، مستخدما المنابر الرسمية. ولا يتراجع، حتى حينما وسائل الإعلام الإسرائيلية، عينيا، تؤكد كذبه؛ فالمهم أن يحرض بمستوى "شُغل عصابات"، وفي الأيام الأخيرة، بمستوى استدعاء ضمني، لاعتداءات دموية ضد فلسطينيي 48.اضافة اعلان
الجريمة الدنيئة الأخيرة، التي ارتكبها نتنياهو مع سبق الإصرار والترصد، هي أنه اتهم جمهور مشجعي فريق كرة القدم، لمدينة سخنين؛ أقوى فرق فلسطينيي 48، بأنه أطلق صافرات الفرح، حينما اختار فريق إسرائيلي منافس في الأسبوع قبل الماضي، أن يقف قبل المباراة، دقيقة صمت حدادا على مقتل 10 طلاب إسرائيليين، في جرف مطري في صحراء النقب.
واستند نتنياهو إلى خبر كاذب، لموقع إنترنت هامشي، تحت سيطرة اليمين الاستيطاني المتطرف. في حين أن كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية، والفريق المنافس، ومن فوقه اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، أكدت أن أمرا كهذا لم يحدث، بل حافظ جمهور سخنين على الهدوء، احتراما. ولكن كل هذا لم ينفع لدى نتنياهو ليزيل منشوره من صفحته في شبكة فيسبوك، على مدى أكثر من أسبوع، إلا في مساء الخميس الأخير. وكما يبدو أن هناك من نصحه فعل هذا، كي لا يتورط بقضية قذف وتشهير. ولكن على مدى الأيام التي ظهر فيها المنشور، كانت مئات التعقيبات لديه، ملأى بالتحريض العنصري الدموي ضد فلسطينيي 48.
وطبعا هذه حادثة أخيرة، سبقتها حالات كثيرة، منها مثلا، في نهاية العام 2016، اجتاحت أحراش فلسطين حرائق هائلة، كشفت عجز القدرات الإسرائيلية عن إخمادها بسرعة، وتسببت بأضرار جسيمة. يومها امتلأت الصحافة، والحلبة السياسية، بانتقادات واسعة لحكومة نتنياهو، بأنها لم تستخلص العبر، من الحرائق الشبيهة التي وقعت في العام 2011. ولصد هذه الانتقادات، اختلق نتنياهو كذبة أن الحرائق هي بفعل ما أسماها "أعمالا إرهابية" ارتكبها الفلسطينيون، وفي هذه الحالة، يقصد فلسطينيي 48.
يومها جرى اعتقال عدد من الفتية والشبان، وأطلق سراحهم جميعا، باستثناء شاب من مدينة أم الفحم، تبين أنه في أوج الحرائق، أحرق قرب بيته نفايات متكدسة. وطار الشرار منها لحريق صغير من ثلاثة دونمات، بينما الحرائق الكبرى كانت في أماكن أخرى، وأحرقت آلاف الدونمات. وقد ادين الشاب بالإهمال، وليس "الإرهاب" المزعوم. ولكونه عربيا، فقد حكمت عليه المحكمة السجن عامين، والقضية رهن الاستئناف.
وفي انتخابات 2015، حينما رأى نتنياهو أن نسبة المشاركة في التصويت بين اليهود ليست بالمستوى المطلوب له، بينما نسبة المشاركة لدى فلسطينيي 48 ارتفعت مقارنة مع الماضي، للتصويت للقائمة المشتركة الوحدوية، ألقى نتنياهو في مساء ذلك اليوم، خطابا يدعو فيه اليهود للتصويت: لأن "العرب ينهرون إلى الصناديق بالحافلات"، ولم تكن الحالة كهذه. يومها تلقى نتنياهو انتقادات وصلت حتى إلى البيت الأبيض في عهد أوباما.
والأمثلة كثيرة ولا تحصى، فمثلا هو الضاغط الأكبر من أجل تمرير قانون حظر أذان المساجد، من منطلقات عنصرية شرسة. وهو الضاغط الأكبر لتمرير كل مشاريع قوانين تقويض حرية التعبير والعمل السياسي، وقوانين التمييز العنصري.
ومن الضروري التأكيد أن هذه هي حقيقة عقلية نتنياهو، وهو لا يقوم بهذا بسبب ضغوط شخصية، مثل قضايا الفساد. ولا ضغوط سياسية، بسبب شكل تحالفه الحكومي. فنتنياهو عمل في السنوات الأخيرة على الإطاحة بكل صوت لاجم في حزب "الليكود"، لمشاهد العنصرية المنفلتة. والآن يقود نتنياهو بلا منافس معسكر اليمين الاستيطاني المتطرف. وقد كشفت جمعية صهيونية، ذات توجهات "سلامية" محدودة، "صندوق إسرائيل الجديد"، عن أن نتنياهو هو المجنّد الأكبر لتبرعات مالية للحركة العنصرية المتطرفة "إم ترتسو"، التي نشاطها الأكبر في الجامعات الإسرائيلية، وموجه ضد طلاب فلسطينيي 48.