صائدو "البوكيمون"

بات العالم الافتراضي ملاذا واسعا لشركات الألعاب الإلكترونية وأصحاب الأفكار الغريبة والذكية، جلبا لمليارات الدولارات في ساعات. والتسارع التكنولوجي والاقتصادي في هذا السياق يعبر عن تحول عالمي لا يجدي معه التفرج وحسب، أو الانشغال بفتاوى لكبح جماح هذا التحول.اضافة اعلان
في الغرب، وجدت لعبة "بوكيمون غو" التي دخلت الأسواق الشهر الماضي، مجالات اقتصادية مفتوحة. وسجلت الشركة المبتكرة للعبة "نينتندو" قيمة سوقية لسعر سهمها في البورصة، خلال أيام، تفوق نصف مديونية الأردن البالغة 35 مليار دولار. أما الأرباح الفعلية التي تحققت للشركة بعد تحميل عشرات الملايين للعبة، فتجاوزت 40 مليون دولار في وقت قياسي.
لعبة صيد "البوكيمون" باستخدام الهاتف الذكي، تعتمد تقنيات الواقع الافتراضي في تتبع مسارات ومناطق جغرافية ذات صلة بالواقع على الأرض. وهي بذلك تحث اللاعبين على الخروج من المنازل والمكاتب والمشي لمسافات طويلة في بعض الأحيان.
وهي ليست مجرد لعبة بالنسبة للشركات التي تجيد التقاط التطور التكنولوجي المذهل. فشركات مثل "أبل" و"غوغل" و"نينتندو" فرضت حيزا كبيرا للعبة، وحولت الفكرة إلى مليارات الدولارات على شكل أرباح، ولحقت بها شركات كبرى للاستفادة من صيد اللعبة الافتراضي، لتنتعش مجالات الرعاية والبيع والتسويق.
حمّى الاهتمام باللعبة تأخذ أشكالا وأبعادا متنوعة. ففي بلد مثل أستراليا، ترسل مؤسسات أمنية رسائل لملاحقي "البوكيمونات" بتقليص الضغوط على مراكز الشرطة بحثا عن الشخصية الكرتونية فيها. وتتفرغ المطاعم الكبرى في الولايات المتحدة لجذب الزبائن عبر استخدام اللعبة. وتطلب البلديات في دول أخرى، من ملاحقي "البوكيمون" احترام حرمة الموتى أثناء تفتيشهم عن صيدهم الافتراضي بين القبور! إنها ملامح لعالم يتغير بتسارع كبير في إيقاعه واقتصاده وألعابه، وهو تغيير يطال وسيطال فيما يبدو كل شيء.
يقول متخصصون في الشركات التي رعت فكرة هذه اللعبة، إن هدفها الرئيس يذهب إلى مغادرة مربع الكسل في الألعاب الإلكترونية، والتحرك بعيدا عن النقطة التي بدأ منها اللاعب، وفي ذلك مسعى للرياضة والمشي، لاسيما في أوساط الأطفال، ناهيك عن الإثارة. غير أن كثيرين في عالمنا العربي ينظرون إلى هذه اللعبة بعين الشك والريبة، وذهب البعض إلى استحضار نظرية المؤامرة. ورغم أهمية تحذيرات مسؤولين في أمن المعلومات من تداعيات هذه اللعبة على أمن الأشخاص والمكاتب والمؤسسات، إلا أنها تبقى لعبة، شريطة عدم المبالغة في استخدامها أو انتهاك إشارات المرور، أو اللعب بها أثناء قيادة السيارات.
وقد يتسلل الإدمان أكثر للاعبين الذين أغوتهم ملاحقة صيدهم بين مزيج العالمين الافتراضي والواقعي. كما قد يتلاشى الاهتمام بهذه اللعبة في المستقبل القريب. بيد أن الدرس الأكثر أهمية في هذا المجال يتركز في أن الاقتصاد يشهد تغييرات جذرية في جني الأرباح وتنويع المنتجات، وأن صيد الفرص متاح لكل من لديه القدرة على فهم هذه المضامين. أما الارتهان لزوايا التشكيك والتقليل من أهمية ما يدور حولنا، حتى لو كان مجرد لعبة، فليس من الحكمة أو الحصافة.
الاقتصاد ينتقل بتدرج مدروس إلى تطبيقات الهواتف الذكية. ومثلما تفاجأ كثيرون بحجم انتشار "بوكيمون غو" بهذه السرعة الكبيرة في معظم أرجاء العالم، فإن أفكارا أخرى حققت حضورا في مشهد التجارة والخدمات. وقد نتفاجأ في الأيام والأشهر المقبلة بتطبيقات أخرى أكثر ذكاء وإثارة. والأجدى، والحالة هذه، أن يتسلح الأفراد ومجتمعاتهم بأدوات التفاعل لا الإنكار، والبحث عن المكاسب لا التفرج والنقد لتطور تكنولوجي لم نكن سببا فيه!